" الذين يوفون بعهد الله " مبتدأ . و " أولئك لهم عقبى الدار " خبره كقوله : والذين ينقضون عهد الله أولئك لهم اللعنة . ويجوز أن يكون صفة لأولي الألباب والأول أوجه . وعهد الله : ما عقدوه على أنفسهم من الشهادة بربوبيته " وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى " الأعراف : 172 ، " ولا ينقضون الميثاق " ولا ينقضون كل ما وثقوه على أنفسهم وقبلوه : من الإيمان بالله وغيره من المواثيق بينهم وبين الله وبين العباد تعميم بعد خصيص " ما أمر الله به أن يوصل " من الأرحام والقرابات ويدخل فيه وصل قرابة رسول الله وقرابة المؤمنين الثابتة بسبب الإيمان " إنما المؤمنون إخوة " الحجرات : 10 ، بالإحسان إليهم على حسب الطاقة ونصرتهم والذب عنهم والشفقة عليهم والنصيحة لهم وطرح التفرقة بين أنفسهم وبينهم وإفشاء السلام عليهم وعيادة مرضاهم وشهود جنائزهم . ومنه مراعاة حق الأصحاب والخدم والجيران والرفقاء في السفر وكل ما تعلق منهم بسبب حتى الهرة والدجاجة . وعن الفضيل بن عياض أن جماعة دخلوا عليه بمكة فقال : من أين أنتم ؟ قالوا : من أهل خراسان . قال : اتقوا الله وكونوا من حيث شئتم واعلموا أن العبد لو أحسن الإحسان كله وكانت له دجاجة فأساء إليها لم يكن من المحسنين " ويخشون ربهم " أي يخشون وعيده كله " ويخافون " خصوصا " سوء الحساب " فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا " صبروا " مطلق فيما يصبر عليه من المصائب في النفوس والأموال ومشاق التكليف " ابتغاء وجه " الله لا ليقال : ما أصبره وأحمله للنوازل وأوقره عند الزلازل ولا لئلا يعاب بالجزع ولئلا يشمت به الأعداء كقوله : .
وتجلدي للشامتين أريهم .
ولا لأنه لا طائل تحت الهلع ولا مرد فيه للفائت كقوله : .
ما أن جزعت ولا هلع ... ت ولا يرد بكاي زندا .
وكل عمل له وجوه يعمل عليها فعلى المؤمن أن ينوي منها ما به كان حسنا عند الله وإلا لم يستحق به ثوابا وكان فعلا كلا فعل " مما رزقناهم " من الحلال لأن الحرام لا يكون رزقا ولا يسند إلى الله " سرا وعلانية " يتناول النوافل لأنها في السر أفضل والفرائض لوجوب المجاهرة بها نفيا للتهمة " ويدرؤون بالحسنة السيئة " ويدفعونها عن ابن عباس : يدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سيء غيرهم . وعن الحسن : إذا حرموا أعطوا وإذا ظلموا عفوا وإذا قطعوا وصلوا . وعن ابن كيسان : إذا أذنبوا تابوا . وقيل : إذا رأوا منكرا أمروا بتغييره " عقبى الدار " عاقبة الدنيا وهي الجنة لأنها التي أراد الله أن تكون عاقبة الدنيا ومرجع أهلها و " جنات عدن " بدل من عقبى الدار . وقرئ فنعم بفتح النون . والأصل : نعم فمن كسر النون فلنقل كسرة العين إليها ومن فتح فقد سكن العين ولم ينقل وقرئ : يدخلونها على البناء للمفعول . وقرأ ابن أبي عبلة صلح بضم اللام والفتح أفصح أعلم أن الأنساب لا تنفع إذا تجردت من الأعمال الصالحة . وآباؤهم جمع أبوي كل واحد منهم فكأنه قيل من آبائهم وأمهاتهم " سلام عليكم " في موضع الحال لأن المعنى : قائلين سلام عليكم أو مسلمين فإن قلت : بم تعلق قوله " بم صيرتم " ؟ قلت : بمحذوف تقديره : هذا بما صبرتم يعنون هذا الثواب بسبب صبركم أو بدل ما احتملتم من مشاق الصبر ومتاعبه هذه الملاذ والنعم والمعنى : لئن تعبتم في الدنيا لقد استرحتم الساعة كقوله : .
بما قد أرى فيها أوانس بدنا .
وعن النبي A : أنه كان يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول " السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " ويجوز أن يتعلق بسلام أي نسلم عليكم ونكرمكم بصبركم .
" والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار " .
" من بعد ميثاقه " من بعد ما أوثقوه به من الاعتراف والقبول " سوء الدار " يحتمل أن يراد سوء عاقبة الدنيا لأنه في مقابلة عقبى الدار ويجوز أن يراد بالدار جهنم وبسوئها عذابها .
" الله يبسط الرزق لمن شاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع "