وإنما نهاهم أن يدخلوا من باب واحد لأنهم كانوا ذوي بهاء وشارة حسنة اشتهرهم أهل مصر بالقربة عند الملك والتكرمة الخاصة التي لم تكن لغيرهم فكانوا مظنة لطموح الأبصار إليهم من بين الرفود وأن يشار إليهم بالأصابع . ويقال : هؤلاء أضياف الملك انظروا إليهم ما أحسنهم من فتيان وما أحقهم بالإكرام لأمر ما أكرمهم الملك بهم وفضلهم على الوافدين عليه فخاف لذلك أن يدخلوا كوكبة واحدة فيعانوا لجمالهم وجلالة أمرهم في الصدور فيصيبهم ما يسوؤهم ؟ ولذلك لم يوصهم بالتفرق في الكرة الأولى لأنهم كانوا مجهولين مغمورين بين الناس . فإن قلت : هل للإصابة بالعين تصح عليه ؟ قلت : يجوز أن يحدث الله D عند النظر إلى الشيء والإعجاب به نقصانا فيه وخللا من بعض الوجوه ويكون ذلك ابتلاء من الله وامتحانا لعباده ليتميز المحققون من أهل الحشو فيقول المحقق : هذا فعل الله ويقول الحشوي : هو أثر العين كما قال تعالى : " وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا " المدثر : 31 ، الآية . وعن النبي A : " أنه كان يعوذ الحسن والحسين فيقول : أعيذكما بكلمات الله التامة من كل عين لامة ومن كل شيطان وهامة " " ما أغنى عنكم من الله من شيء " يعني إن أراد الله بكم سوءا لم ينفعكم ولم يدفع عنكم ما أشرت به عليكم من التفرق وهو مصيبكم لا محالة " إن الحكم إلا لله " ثم قال : " لما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم " أي متفرقين " ما كان يغني عنهم " رأي يعقوب ودخولهم متفرقين شيئا قط حيث أصابهم ما ساءهم مع تفرقهم من إضافة السرقة إليهم وافتضاحهم بذلك وأخذ أخيهم بوجدان الصواع في رحله وتضاعف المصيبة على أبيهم " إلا حاجة " استثناء منقطع . على معنى : ولكن حاجة " في نفس يعقوب قضاها " وهي شفقته عليهم وإظهارها بما قاله لهم ووصاهم به " وإنه لذو علم " يعني قوله : " وما أغني عنكم " وعلمه بأن القدر لا يغني عنه الحذر .
" ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون " .
" آوى إليه أخاه " ضم إليه بنيامين . وروي أنهم قالوا له : هذا أخونا قد جئناك به فقال لهم : أحسنتم وأصبتم وستجدون ذلك عندي فأنزلهم وأكرمهم ثم أضافهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقي بنيامين وحده فبكى وقال : لو كان أخي يوسف حيا لأجلسني معه فقال يوسف : بقي أخوكم وحيدا فأجلسه معه على مائدته وبجعل يواكله قال : أنتم عشرة فلينزل كل اثنين منكم بيتا وهذا لا ثاني له فيكون معي فبات يوسف يضمه إليه ويشم رائحته حتى أصبح وسأله عن ولده فقال : لي عشرة بنين اشتققت أسماءهم من اسم أخ لي هلك فقال له : أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك ؟ قال : من يجد أخا مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف وقام إليه وعانقه وقال له " إني أنا أخوك " يوسف " فلا تبتئس " فلا تحزن " بما كانوا يعملون " بنا فيما مضى فإن الله قد أحسن إلينا وجمعنا على خير ولا تعلمهم بما أعلمتك . وعن ابن عباس : تعرف إليه وعن وهب : إنما قال له : أنا أخوك بدل أخيك المفقود فلا تبتئس بما كنت تلقى منهم من الحسد والأذى فقد أمنتهم . وروي أنه قال له : أنا لا أفارقك . قال : قد علمت اغتمام والدي بي فإذا حبستك ازداد غمه ولا سبيل إلى ذلك إلا أن أنسبك إلى ما لا يجمل . قال : لا أبالي فافعل ما بدا لك . قال : فإني أدس صاعي في رحلك ثم أنادي عليك بأنك قد سرقته ليتهيأ لي ردك بعد تسريحك معهم . قال : افعل .
" فلما جهزوا بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم "