وقرئ : ردت إلينا بالكسر على أن كسرة الدال المدغمة نقلت إلى الراء كما قيل وبيع وحكى قطرب ضرب زيد على نقل الكسرة الراء فيمن سكنها إلى الضاد " ما نبغي " للنفي أي : ما نبغي في القول وما نتزيد فيما وصفنا لك من إحسان الملك وإكرامه وكانوا قالوا له : إنا قدمنا على خير رجل أنزلنا وأكرمنا كرامة لو كان رجلا من آل يعقوب ما أكرمنا كرامته . أو ما نبتغي شيئا وراء ما فعل بنا من الإحسان . أو على الاستفهام بمعنى أي شيء نطلب وراء هذا ؟ وفي قراءة ابن مسعود ما تبغي بالتاء على مخاطبة يعقوب معناه : أي شيء تطلب وراء هذا من الإحسان أو من الشاهد على صدقنا ؟ وقيل : معناه ما نريد منك بضاعة أخرى . وقوله " هذه بضاعتنا وردت إلينا " جملة مستأنفة موضحة لقوله : " ما نبغي " والجمل بعدها معطوفة عليها على معنى : إن بضاعتنا ردت إلينا فنستظهر بها " ونمير أهلنا " في رجوعنا إلى الملك " ونحفظ أخانا " فما يصيبه شيء مما تخافه ونزداد باستصحاب أخينا وسق بعير زائدا على أوساق أباعرنا فأي شيء نبغي وراء هذه المباغي التي نستصلح بها أحوالنا ونوسع ذات أيدينا : وإنما قالوا : " ونزدد كيل بعير " لما ذكرنا أنه كان لا يزيد للرجل على حمل بعير للتقسيط فإن قلت : هذا إذا فسرت البغي بالطلب فأما إذا فسرته بالكذب والتزيد في القول كانت الجملة الأولى وهي قوله : " هذه بضاعتنا ردت إلينا " بيانا لصدقهم وانتفاء التزيد عن قيلهم فما تصنع بالجمل البواقي ؟ قلت : أعطفها على قوله : " ما نبغي " على معنى : لا نبغي فيما نقول " نمير أهلنا " ونفعل كيت وكيت . ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ كقولك : وينبغي أن نمير أهلنا كما تقول : سعيت في حاجة فلان واجتهدت في تحصيل غرضه . ويجب أن أسعى وينبغي لي أن لا أقصر . ويجوز أن يراد : ما نبغي وما ننطق إلا بالصواب فيما نشير به عليك من تجهيزنا مع أخينا ثم قالوا : هذه بضاعتنا نستظهر بها ونمير أهلنا ونفعل ونصنع . بياتا لأنهم لا يبغون في رأيهم وأنهم مصيبون فيه وهو وجه حسن واضح " ذلك كيل يسير " أي ذلك مكيل قليل لا يكفينا يعنون : ما يكال لهم . فأرادوا أن يزدادوا إليه ما يكال لأخيهم . أو يكون ذلك إشارة إلى كيل بعير أي ذلك الكيل شيء قليل يجيبنا إليه الملك ولا يضايقنا فيه أو سهل عليه متيسر لا يتعاظمه . ويجوز أن يكون من كلام يعقوب وأن حمل بعير واحد شيء يسير لا يخاطر لمثله بالولد كقوله " ذلك ليعلم " يوسف : 52 .
" قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل " .
" لن أرسله معكم " مناف لحالي وقد رأيت منكم ما رأيت إرساله معكم " حتى تؤتون موثقا من الله " حتى تعطوني ما أتوثق به من عند الله أراد أن يحلفوا له بالله : وإنما جعل الحلف بالله موثقا منه لأن الحلف به مما تؤكد به العهود وتشدد . وقد أذن الله في ذلك فهو إذن منه " لتأتنني به " جواب اليمين ؟ لأن المعنى : حتى تحلفوا لتأتنني به " إلا أن يحاط بكم " إلا أن تغلبوا فلم تطيقوا الإتيان به . أو إلا أن تهلكوا . فإن قلت : أخبرني عن حقيقة هذا الاستثناء ففيه إشكال ؟ قلت : " أن يحاط بكم " مفعول له والكلام المثبت الذي هو قوله " لتأتنني به " في تأويل النفي . معناه : لا تمتنعون من الإتيان به إلا للإحاطة بكم أي : لا تمتنعون منه لعلة من العلل إلا لعلة واحدة : وهي أن يحاط بكم فهو استثناء من أعم العام في المفعول له والاستثناء من أعم العام لا يكون إلا في النفي وحده فلا بد من تأويله بالنفي . ونظيره من الإثبات المتأول بمعنى النفي قولهم : أقسمت بالله لما فعلت وإلا فعلت تريد : ما أطلب منك إلا الفعل " على ما نقول " من طلب الموثق وإعطائه " وكيل " رقيب مطلع .
" وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم مما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون "