" يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان " .
" أما أحدكما " يريد الشرابي " فيسقي ربه " سيده . وقرأ عكرمة فيسقي ربه أي يسقي ما يروي به على البناء للمفعول . روي أنه قال للأول : ما رأيت من الكرمة وحسنها هو الملك وحسن حالك عنده ؟ وأما القضبان الثلاثة فإنها ثلاثة أيام تمضي في السجن ثم تخرج وتعود إلى ما كنت عليه وقال للثاني : ما رأيت من السلال ثلاثة أيام ثم تخرج فتقتل " قضي الأمر " قطع وتم ما " تستفتيان " فيه من أمركما وشأنكما . فإن قلت : ما استفتيا في أمر واحد بل في أمرين مختلفين فما وجه التوحيد ؟ قلت : المراد بالأمر ما اتهما به من سم الملك وما سجنا من أجله وظنا أن ما رأياه في معنى ما نزل بهما فكأنهما كانا يستفتيانه في الأمر الذي نزل بهما أعاقبته نجاة أم هلاك فقال لهما : قضي الأمر الذي فيه تستفتيان أي : ما يجز إليه من العاقبة وهي هلاك أحدهما ونجاة الآخر . وقيل : جحدا وقالا : ما رأينا شيئا على ما روي أنهما تحالما له فأخبرهما أن ذلك كائن صدقتما أو كذبتما .
" وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين " .
" ظن أنه ناج " الظان هو يوسف إن كان تأويله بطريق الاجتهاد وإن كان بطريق الوحي فالظان هو الشرابي ويكون الظن بمعنى اليقين " اذكرني عند ربك " صفني عند الملك بصفتي وقص عليه قصتي لعله يرحمني وينتاشني من هذه الورطة " فأنساه الشيطان " فأنسي الشرابي " ذكر ربه " أن يذكره لربه . وقيل فأنسي يوسف ذكر الله حين وكل أمره إلى غيره " بضع سنين " البضع ما بين الثلاث إلى التسع وأكثر الأقاويل على أنه لبث فيه سبع سنين . فإن قلت : كيف يقدر الشيطان على الإنسان ؟ قلت : يوسوس إلى العبد بما يشغله عن الشيء من أسباب النسيان حتى يذهب عنه ويزل عن قلبه ذكره وأما الإنساء ابتداء فلا يقدر عليه إلا الله D " ما ننسخ من آية أو ننسها " البقرة : 106 ، . فإن قلت : ما وجه إضافة الذكر إلى ربه إذا أريد به الملك ؟ وما هي بإضافة المصدر إلى الفاعل ولا إلى المفعول ؟ قلت : قد لأبسه في قولك : فأنساه الشيطان ذكر ربه أو عند ربه فجازت إضافته إليه لأن الإضافة تكون بأدنى ملابسة . أو على تقدير : فأنساه الشيطان ذكر أخبار ربه فحذف المضاف الذي هو الإخبار . فإن قلت : لم أنكر على يوسف الاستغاثة بغير الله في كشف ما كان فيه وقد قال الله تعالى : " وتعاونوا على البر والتقوى " المائدة : 2 ، وقال حكاية عن عيسى عليه السلام " من أنصاري إلى الله " آل عمران : 52 ، وفي الحديث : " الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه المسلم " .
" من فرج عن مؤمن كربة فرج الله عنه كربة من كربات الآخرة " وعن عائشة Bها : أن رسول الله A لم يأخذه النوم ليلة من الليالي وكان يطلب من يحرسه حتى جاء سعد فسمعت غطيطه " . وهل ذلك إلا مثل التداوي بالأدوية والتقوى بالأشربة والأطعمة . وإن كان ذلك لأن الملك كان كافرا فلا خلاف في جواز أن يستعان بالكفار في دفع الظلم والغرق والحرق ونحو ذلك من المضار ؟ قلت : كما اصطفى الله تعالى الأنبياء على خليقته فقد اصطفى لهم أحسن الأمور وأفضلها وأولاها والأحسن والأولى بالنبي أن لا يكل أمره إذا ابتلي ببلاء إلا إلى ربه ولا يعتضد إلا به خصوصا إذا كان المعتضد به كافرا لئلا يشمت به الكفار ويقولوا لو كان هذا على الحق وكان له رب يغيثه لما استغاث بنا . وعن الحسن أنه كان يبكي إذا قرأها ويقول : نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس .
" وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلن سبع عجاف سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون "