في مقادم قميصه فيشقه . وقرئ : من قبل ومن دبر بالضم على مذهب الغايات . والمعنى : من قبلالقميص ومن دبره . وأما التنكير فمعناه من جهة يقال لها قبل ومن جهة يقال لها دبر . وعن ابن أبي إسحاق أنه قرأ : من قبل ومن دبر بالفتح كأنه جعلهما علمين للجهتين فمنعهما الصرف للعلمية والتأنيث . وقرئا بسكون العين . فإن قلت : كيف جاز الجمع بين إن الذي هو للاستقبال وبين كان ؟ قلت : لأن المعنى أن يعلم أنه كان قميصه قد ونحوه كقولك : إن أحسنت إلي فقد أحسنت إليك من قبل لمن يمتن عليك بإحسانه تريد : إن تمتن علي أمتن عليك " فلما رأى " يعني قطفير وعلم براءة يوسف وصدقه وكذبها " قال إنه " إن قولك " ما جزاء من أراد بأهلك سوءا " أو إن الأمر وهم طمعها في يوسف " من كيدهن " الخطاب لها ولأمتها . وإنما استعظم كيد النساء لأنه وإن كان في الرجال إلا أن النساء ألطف كيدا وأنفذ حيلة . ولهن في ذلك نيقة ورفق وبذلك يغلبن الرجال . ومنه قوله تعالى : " ومن شر النفاثات في العقد " الفلق : 4 ، والقصريات من بينهن معهن ما ليس مع غيرهن من البوائق وعن بعض العلماء : أنا أخاف من النساء أكثر مما أخاف من الشيطان لأن الله تعالى يقول : " إن كيد الشيطان كان ضعيفا " النساء : 76 ، وقال للنساء : " إن كدكن عظيم " . " يوسف " حذف منه حرف النداء لأنه منادى قريب مفاطن للحديث وفيه تقريب له وتلطيف لمحله " أغرض عن هذا " الأمر واكتمه ولا تحدث به " واستغفري " أنت " لذنبك إنك كنت من الخاطئين " من جملة القوم المتعمدين للذنب . يقال : خطئ إذا أذنب متعمدا وإنما قال : " من الخاطئين " بلفظ التذكير تغليبا للذكور على الإناث وما كان العزيز إلا رجلا حليما . وروي أنه كان قليل الغيرة .
" وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعدت لهن متكئا وأتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاشا لله ما هذا إلا ملك كريم قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاعتصم ولئن لم يفعل ما أمروه ليسجنن وليكونا من الصاغرين " .
" وقال نسوة " وقال جماعة من النساء وكن خمسا : امرأة الساقي وامرأة الخباز وامرأة صاحب الدواب وامرأة صاحب السجن وامرأة الحاجب . والنسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثه غير حقيقي كتأنيث اللمة ولذلك لم تلحق فعله تاء التأنيث . وفيه لغتان : كسر النون وضمها " في المدينة " في مصر " امرأة العزيز " يردن قطفير والعزيز : الملك بلسان العرب " فتاها " غلامها . يقال : فتاي وفتاتي أي غلامي وجاريتي " شغفها " خرق حبه شغاف قلبها حتى وصل إلى الفؤاد والشغاف حجاب القلب وقيل جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب . قال النابغة : .
وقد حال هم دون ذلك والج ... مكان الشغاف تبتغيه الأصابع .
وقرئ : شعفها بالعين من شعف البعير إذا هنأه فأحرقه بالقطران قال : .
كما شعف المهنوءة الرجل الطالي .
و " حبا " نصب على التمييز " في ضلال مبين " في خطأ وبعد عن طريق الصواب " بمكرهن " باغتيابهن وسوء قالتهن وقولهن : امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعاني ومقتها وسمي الاغتياب مكرا لأنه في خفية وحال غيبة كما يخفي الماكر مكره . وقيل : كانت استكتمتهن سرها فأفشينه عليها " أرسلت إليهن " دعتهن . قيل : دعت أربعين امرأة منهن الخمس المذكورات " وأعدت لهن متكئا " ما يتكئن عليه من نمارق قصدت بتلك الهيئة وهي قعودهن متكئات والسكاكين في أيديهن : أن يدهشن ويبهتن عند رؤيته ويشغلن عن نفوسهن فتقع أيديهن على أيديهن فيقطعنها لأن المتكئ إذا بهت لشيء وقعت يده على يده ولا يبعد أن تقصد الجمع بين المكر به وبهن فتضع الخناجر في أيديهن ليقطعن أيديهن فتبكتهن بالحجة ولتهول يوسف من مكرها إذا خرج على أربعين نسوة مجتمعات في أيديهن الخناجر وتوهمه أنهن يثبن عليه . وقيل : متكأ : مجلس طعام لأنهم كانوا يتكؤن للطعام والشراب والحديث كعادة المترفين ولذلك .
" نهى أن يأكل الرجل متكئا وأتتهن السكاكين ليعالجن بها ما يأكلن . وقيل : " متكئا " طعاما من قولك اتكأنا عند فلان : طعمنا على سبيل الكناية لأن من دعوته ليطعم عندك اتخذت له تكأة يتكئ عليها . قال جميل :