" ليبلوكم أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله " قرئ : " ولئن قلت أنكم مبعثون " بفتح الهمزة . ووجهه أن يكون من قولهم : ائت السوق عنك تشتري لنا لحما وأنك تشتري بمعنى علك أي : ولئن قلت لهم لعلكم مبعوثون بمعنى : توقعوا بعثكم وظنوه ولا تبتوا القول بإنكاره لقالوا : " إن هذا إلا سحر مبين " باتين القول ببطلانه . ويجوز أن تضمن قلت معنى ذكرت ومعنى قولهم : " إن هذا إلا سحر مبين " أن السحر أمر باطل وأن بطلانه كبطلان السحر تشبيها له به . أو أشاروا بهذا إلى القرآن لأن القرآن هو الناطق بالبعث فإذا جعلوه سحرا فقد اندرج تحته إنكار ما فيه من البعث وغيره . وقرئ : إن هذا إلا ساحر يريدون الرسول والساحر : كاذب مبطل .
" ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " .
" العذاب " عذاب الآخرة . وقيل عذاب يوم بدر . وعن ابن عباس : قتل جبريل المستهزئين " إلى أمة " إلى جماعة من الأوقات " ما يحبسه " ما يمنعه من النزول استعجالا له على وجه التكذيب والاستهزاء . و " يوم يأتيهم " منصوب بخبر ليس ويستدل به من يستجيز تقديم خبر ليس على ليس وذلك أنه إذا جاز تقديم معمول خبرها عليها كان ذلك دليلا على جواز تقديم خبرها إذ المعمول تابع للعامل فلا يقع إلا حيث يقع العامل " وحاق بهم " وأحاط بهم " ما كانوا به يستهزئون " العذاب الذي كانوا به يستعجلون . وإنما وضع يستهزئون موضع يستعجلون لأن استعجالهم كان على جهة الاستهزاء . والمعنى : ويحيق بهم إلا أنه جاء على عادة الله في أخباره .
" ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤوس كفور ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير " .
" الإنسان " للجنس " رحمة " نعمة من صحة وأمن وجدة " ثم نزعناها منه " ثم سلبنا تلك النعمة " إنه ليؤوس " شديد اليأس من أن تعود إليه مثل تلك النعمة المسلوبة . قاطع رجاءه من سعة فضل الله من غير صبر ولا تسليم لقضائه ولا استرجاع " كفور " عظيم الكفران لما سلف له من التقلب في نعمة الله نساء له " ذهب السيئات عني " أي المصائب التي ساءتني " إنه لفرح " أشر بطر " فخور " على الناس بما أذاقه الله من نعمائه قد شغله الفرح والفخر عن الشكر " إلا الذين " آمنوا فإن عادتهم إن نالتهم رحمة أن يشكروا وإن زالت عنهم نعمة أن يصبروا .
" فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل " .
كانوا يقترحون عليه آيات تعنتا لا استرشادا لأنهم لو كانوا مسترشدين لكانت آية واحدة مما جاء به كافية في رشادهم . ومن اقتراحاتهم " لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك " وكانوا لا يعتدون بالقرآن ويتهاونون به وبغيره مما جاء به من البينات فكان يضيق صدر رسول الله A أن يلقي إليهم ما لا يقبلونه ويضحكون منه فحرك الله منه وهيجه لأداء الرسالة وطرح المبالاة بردهم واستهزائهم واقتراحهم بقوله : " فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك " أي لعلك تترك أن تلقيه إليهم وتبلغه إياهم مخافة ردهم له وتهاونهم به " وضائق به صدرك " بأن تتلوه عليهم " أن يقولوا " مخافة أن يقولوا : " لولا أنزل عليه كنز " أي هلا أنزل عليه ما اقترحنا نحن من الكنز والملائكة ولم أنزل عليه ما لا نريده ولا نقترحه ثم قال : " إنما أنت نذير " أي ليس عليك إلا أن تنذرهم بما أوحي إليك وتبلغهم ما أمرت بتبليغه ولا عليك ردوا أو تهاونوا أو اقترحوا " والله على كل شيء وكيل " يحفظ ما يقولون وهو فاعل بهم ما يجب أن يفعل فتوكل عليه وكل أمرك إليه وعليك بتبليغ الوحي بقلب فسيح وصدر منشرح غير ملتفت إلى استكبارهم ولا مبال بسفههم واستهزائهم . فإن قلت : لم عدل عن ضيق إلى ضائق ؟ قلت : ليدل على أنه ضيق عارض غير ثابت لأن رسول الله A كان أفسح الناس صدرا . ومثله قولك : زيد سيد وجواد تريد السيادة والجود الثابتين المستقرين فإذا أردت الحدوث قلت : سائد وجائد ونحوه كانوا قوما عامين في بعض القراءات وقول السمهري العكلي : .
بمنزلة أما اللئيم فسامن ... بها وكرام الناس باد شحوبها