" أم يقولون أفتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا ما استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " .
" أم " منقطعة . والضمير في " أفتراه " لما يوحى إليك . تحداهم أولا بعشر سور ثم بسورة واحدة كما يقول المخابر في الخط لصاحبه : اكتب عشرة أسطر نحو ما أكتب فإذا تبين له العجز عن مثل خطه قال : قد اقتصرت منك على سطر واحد " مثله " بمعنى أمثاله ذهابا إلى مماثلة كل واحدة منها له " مفتريات " صفة لعشر سور لما قالوا : افتريت القرآن واختلقته من عند نفسك وليس من عند الله قاودهم على دعواهم وأرخى معهم العنان وقال : هبوا أني اختلقته من عند نفسي ولم يوح إلي وأن الأمر كما قلتم فأتوا أنتم أيضا بكلام مثله مختلق من عند أنفسكم فأنتم عرب فصحاء مثلي لا تعجزون عن مثل ما أقدر عليه من الكلام . فإن قلت : كيف يكون ما يأتون به مثله وما يأتون به مفترى وهذا غير مفترى ؟ قلت : معناه مثله في حسن البيان والنظم وإن كان مفترى .
" فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون " .
فإن قلت : ما وجه جمع الخطاب بعد إفراده وهو قوله : " لكم فاعلموا " بعد قوله : " قل " قلت : معناه فإن لم يستجيبوا لك وللمؤمنين لأن رسول الله A والمؤمنين كانوا يتحدونهم وقد قال في موضع آخر : " فإن لم يستجيبوا لك فاعلم " القصص : 50 ، ويجوز أن يكون الجمع لتعظيم رسول الله A كقوله : .
فإن شئت حرمت النساء سواكم .
وووجه آخر : وهو أن يكون الخطاب للمشركين والضمير في " لم يستجيبوا " لمن استطعتم يعني : فإن لم يستجب لكم من تدعونه من دون الله إلى المظاهرة على معارضته لعلمهم بالعجز عنه وأن طاقتهم أقصر من أن تبلغه " فاعلموا أنما أنزل بعلم الله " أي أنزل ملتبسا بما لا يعلمه إلا الله من نظم معجز للخلق وإخبار بغيوب لا سبيل لهم إليه " و " اعلموا عند ذلك " وأن لا إله إلا " الله وحده وأن توحيده واجب والإشراك به ظلم عظيم " فهل أنتم مسلمون " مبايعون بالإسلام بعد هذه الحجة القاطعة وهذا وجه حسن مطرد . ومن جعل الخطاب للمسلمين فمعناه : فاثبتوا على العلم الذي أنتم عليه وازدادوا يقينا وثبات قدم على أنه منزل من عند الله وعلى التوحيد . ومعنى " فهل أنتم مسلمون " فهل أنتم مخلصون ؟ " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " .
" نوف إليهم " نوصل إليهم أجور أعمالهم وافية كاملة من غير بخس في الدنيا وهو ما يرزقون فيها من الصحة والرزق . وقيل : هم أهل الرياء . يقال للقراء منهم : أردت أن يقال : فلان قارئ فقد قيل ذلك . ولمن وصل الرحم وتصدق : فعلت حتى يقال فقيل ولمن قاتل فقتل : قاتلت حتى يقال فلان جريء فقد قيل : وعن أنس بن مالك : هم اليهود والنصارى إن أعطوا سائلا أو وصلوا رحما عجل لهم جزاء ذلك بتوسعة في الرزق وصحة في البدن . وقيل : هم الذين جاهدوا من المنافقين مع رسول الله A فأسهم لهم في الغنائم . وقرئ : يوف بالياء على أن الفعل لله D . وتوف إليهم أعمالهم بالتاء على البناء للمفعول . وفي قراءة الحسن : نوفي بالتخفيف وإثبات الياء لأن الشرط وقع ماضيا كقوله : .
يقول لا غائب مالي ولا حرم .
" وحبط ما صنعوا فيها " وحبط في الآخرة ما صنعوه أو صنيعهم يعني : لم يكن له ثواب لأنهم لم يريدوا به الآخرة إنما أرادوا به الدنيا وقد وفي إليهم ما أرادوا " وباطل ما كانوا يعملون " أي كان عملهم في نفسه باطلا لأنه لم يعمل لوجه صحيح والعمل الباطل لا ثواب له . وقرئ : وبطل على الفعل . وعن عاصم : وباطلا بالنصب وفيه وجهان : أن تكون ما إبهامية وينتصب بيعملون ومعناه : وباطلا أي باطل كانوا يعملون . وأن تكون بمعنى المصدر على : وبطل بطلانا ما كانوا يعملون .
" أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهدا منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون "