" يثنون صدورهم " يزورون عن الحق وينحرفون عنه لأن من أقبل على الشيء استقبله بصدره ومن ازور عنه وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه " ليستخفوا منه " يعني : ويريدون ليستخفوا من الله فلا يطلع رسوله والمؤمنين على ازورارهم . ونظير إضمار يريدون لقود المعنى إلى إضماره الإضمار في قوله تعالى : " اضرب بعصاك البحر فانفلق " الشعراء : 63 ، معناه فضرب فانفلق . ومعنى " ألا حين يستغشون ثيابهم " ويزيدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم أيضا كراهة لاستماع كلام الله تعالى : كقول نوح عليه السلام : " جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم " نوح : 7 ، ثم قال : " يعلم ما يسرون وما يعلنون " يعني أنه لا تفاوت في علمه بين إسرارهم وإعلانهم فلا وجه لتوصلهم إلى ما يريدون من الاستخفاء والله مطلع على ثنيهم صدورهم واستغشائهم ثيابهم ونفاقهم غير نافق عنده . روي أنها نزلت في الأخنس بن شريق وكان يظهر لرسول الله A المحبة وله منطق حلو وحسن سياق للحديث فكان يعجب رسول الله A مجالسته ومحادثته وهو يضمر خلاف ما يظهر . وقيل : نزلت في المنافقين . وقرئ : تثنوني صدورهم واثنونى من الثني كاحلولى من الحلاوة وهو بناء مبالغة قرئ بالتاء والياء . وعن ابن عباس لتثنوني . وقرئ تثنون وأصله تثنونن تفعوعل من الثن وهو ما هش وضعف من الكلأ يريد : مطاوعة صدورهم للثني كما ينثني الهش من النبات . أو أراد ضعف إيمانهم ومرض قلوبهم . وقرئ : تثنئن من اثنأن أفعال منه ثم همز كما قيل : ابيأضت وادهأمت وقرئ : تثنوي بوزن ترعوي .
" وما من دابة على الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين " .
فإن قلت : كيف قال : " على الله رزقها " بلفظ الوجوب وإنما هو تفضل قلت : هو تفضل إلا أنه لما ضمن أن يتفضل به عليهم رجع التفضل واجبا كنذور العباد . والمتستقر : مكانه من الأرض ومسكنه . والمتسودع حيث كان مودعا قبل الاستقرار من صلب أو رحم أو بيضة " كل " كل واحد من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها في اللوح يعني ذكرها مكتوب فيه مبين .
" وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين " .
" وكان عرشه على الماء " أي ما كان تحته خلق قبل خلق السموات والأرض . وارتفاعه فوقها إلا الماء . وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل السموات والأرض . وقيل : وكان الماء على متن الريح والله أعلم بذلك وكيفما كان فالله ممسك كل ذلك بقدرته وكلما ازدادت الأجرام كانت أحوج إليه وإلى إمساكه " ليبلوكم " متعلق بخلق أي خلقهن لحكمة بالغة وهي أن يجعلها مساكن لعباده وينعم عليهم فيها بفنون النعم ويكلفهم الطاعات واجتناب المعاصي فمن شكر وأطاع أثابه ومن كفر وعصى عاقبه . ولما أشبه ذلك اختبار المختبر قال : ليبلوكم . يريد : ليفعل بكم ما يفعل المبتلي لأحوالكم كيف تعملون . فإن قلت : كيف جاز تعليق فعل البلوى ؟ قلت : لما في الاختبار من معنى العلم لأنه طريق إليه فهو ملابس له كما تقول : انظر أيهم أحسن وجها واسمع أيهم أحسن صوتا ؟ لأن النظر والاستماع من طرق العلم . فإن قلت كيف قيل : " أيكم أحسن عملا " وأعمال المؤمنين هي التي تتفاوت إلى حسن وأحسن فأما أعمال المؤمنين والكافرين فتفاوتها إلى حسن وقبيح ؟ قلت : الذين هم أحسن عملا هم المتقون وهم الذين استبقوا إلى تحصيل ما هو غرض الله من عباده فخصهم بالذكر واطرح ذكر من وراءهم تشريفا لهم وتنبيها على مكانهم منه وليكون ذلك لطفا للسامعين وترغيبا في حيازة فضلهم . وعن النبي A :