وكانت له درع من ذهب يعرف بها . وقرأ أبو حنيفة C : بأبدانك وهو على وجهين : إما أن يكون مثل قولهم : هوى بأجرامه يعني : ببدنك كله وافيا بأجزائه . أو يريد : بدروعك كأنه كان مظاهرا بينها " لمن خلفك آية " لمن وراءك من الناس علامة وهم بنو إسرائيل وكان في أنفسهم أن فرعون أعظم شأنا من أن يغرق . وروي أنهم قالوا : ما مات فرعون ولا يموت أبدا . وقيل : أخبرهم موسى بهلاكه فلم يصدقوه فألقاه الله على الساحل حتى عاينوه وكأن مطرحه كان على ممر من بني إسرائيل حتى قيل : لمن خلفك . وقيل : " لمن خلفك " لمن يأتي بعدك من القرون . ومعنى كونه آية : أن تظهر للناس عبوديته ومهانته وأن ما كان يدعيه من الربوبية باطل محال وأنه مع ما كان فيه من عظم الشأن وكبرياء الملك آل أمره إلى ما ترون لعصيانه ربه D فما الظن بغيره أو لتكون عبرة تعتبر بها الأمم بعدك فلا يجترئوا على نحو ما اجترأت عليه إذا سمعوا بحالك وبهوانك على الله . وقرئ : لمن خلقك بالقاف : أي لتكون لخالقك آية كسائر آياته . ويجوز أن يراد : ليكون طرحك على الساحل وحدك وتمييزك من بين المغرقين لئلا يشتبه على الناس أمرك ولئلا يقولوا لادعائك العظمة إن مثله لا يغرق ولا يموت . آية من آيات الله التي لا يقدر عليها غيره وليعلموا أن ذلك تعمد منه لإماطة الشبه في أمرك .
" ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " .
" مبوأ صدق " منزلا صالحا مرضيا وهو مصر والشام " فما اختلفوا " في دينهم وما تشعبوا فيه شعبا إلا من من بعد ما قرأوا التوراة وكسبوا العلم بدين الحق ولزمهم الثبات عليه واتحاد الكلمة وعلموا أن الاختلاف فيه تفرق عنه . وقيل : هو العلم بمحمد A واختلاف بني إسرائيل وهم أهل الكتاب اختلافهم في صفته ونعته وأنه هو أم ليس به . بعد ما جاءهم العلم والبيان أنه هو لم يرتابوا فيه . كما قال الله تعالى : " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم " البقرة : 146 .
" فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين " .
فإن قلت : كيف قال لرسول الله A : " فإن كنت شك مما أنزلنا إليك " مع قوله في الكفرة : " وإنهم لفي شك منه مريب " . قلت : فرق عظيم بين قوله : " إنهم لفي شك منه مريب " بإثبات الشك لهم على سبيل التأكيد والتحقيق وبين قوله : " فإن كنت في شك " بمعنى الفرض والتمثيل كأنه قيل : فإن وقع لك شك مثلا وخيل لك الشيطان خيالا منه تقديرا " فاسأل الذين يقرؤون الكتاب " والمعنى : أن الله D قدم ذكر بني إسرائيل وهم قرأة الكتاب ووصفهم بأن العلم قد جاءهم لأن أمر رسول الله A مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم فأراد أن يأكد علمهم بصحة القرآن وصحة نبوة محمد E ويبالغ في ذلك فقال : فإن وقع لك شك فرضا وتقديرا . وسبيل من خالجته شبهة في الدين أن يسارع إلى خلها وإماطتها إما بالرجوع إلى قوانين الدين وأدلته وإما بمقادحة العلماء المنبهين على الحق . فسل علماء أهل الكتاب يعني : أنهم من الإحاطة بصحة ما أنزل إليك وقتلها علما بحيث يصلحون لمراجعة مثلك ومساءلتهم فضلا عن غيرك فالغرض وصف الأحبار بالرسوخ في العلم بصحة ما أنزل الله إلى رسول الله لا وصف رسول الله بالشك فيه ثم قال : " لقد جاءك الحق من ربك " أي ثبت عندك بالآيات والبراهين القاطعة أن ما أتاك هو الحق الذي لا مدخل فيه للمرية " فلا تكونن من الممترين " ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله أي فاثبت ودم على ما أنت عليه من انتفاء المرية عنك والتكذيب بآيات الله . ويجوز أن يكون على طريقة التهييج والإلهاب كقوله : " فلا تكونن ظهيرا للكافرين ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك " القصص : 87 ، ولزيادة التثبيت والعصمة ولذلك قال عليه السلام عند نزوله :