قرئ : دعواتكما . قيل : كان موسى يدعو وهارون يؤمن . ويجوز أن يكونا جميعا يدعوان . والمعنى : إن دعاءكما مستجاب وما طلبتما كائن ولكن في وقته " فاستقيما " فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة والزيادة في إلزام الحجة فقد لبث نوح عليه السلام في قومه ألف عام إلا قليلا ولا تستعجلا . قال ابن جريج فمكث موسى بعد الدعاء أربعين سنة " ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون " أي لا تتبعا طريق الجهلة بعادة الله في تعليقه الأمور بالمصالح ولا تعجلا فإن العجلة ليست بمصلحة . وهذا كما قال لنوح عليه السلام " إني أعظك أن تكون من الجاهلين " هود : 46 ، . وقرئ : ولا تتبعان بالنون الخفيفة وكسرها لالتقاء الساكنين تشبيها بنون التثنية وبتخفيف التاء من تبع .
" وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت إنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين " .
قرأ الحسن : وجوزنا من أجاز المكان وجوزه وجاوزه وليس من جوز الذي في بيت الأعشى : .
وإذا تجوزنا حبال قبيلة .
لأنه لو كان منه لكان حقه أن يقال وجوزنا بني إسرائيل في البحر كما قال : .
كما جوز السكي في الباب فيتق .
" فأتبعهم " فلحقهم . يقال : تبعته حتى أتبعته . وقرأ الحسن : وعدوا . وقرئ : أنه بالفتح على حذف الياء التي هي صلة الإيمان وإنه بالكسر على الاستئناف بدلا من آمنت . كرر المخذول المعنى الواحد ثلاث مرات في ثلاث عبارات حرصا على القبول ثم لم يقبل منه حيث أخطأ وقته . وقاله حين لم يبق له اختيار قط وكانت المرة الواحدة كافية في حال الاختيار وعند بقاء التكليف .
" ألآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون " .
" ألآن " أتؤمن الساعة في وقت الاضطرار حين أدركك الغرق وأيست من نفسك . قيل : قال ذلك حين ألجمه الغرق يعني حين أوشك أن يغرق . وقيل : قاله بعد أن غرق في نفسه . والذي يحكي أنه حين قال : " آمنت " أخذ جبريل من حال البحر فدسه في فيه فالغضب لله على الكافر في وقت قد علم أن إيمانه لا ينفعه . وأما ما يضم إليه من قولهم : خشية أن تدركه رحمة الله فمن زيادات الباهتين لله وملائكته : وفيه جهالتان إحداهما : أن الإيمان يصح بالقلب كإيمان الأخرس فحال البحر لا يمنعه . والأخرى : أن من كره إيمان الكافر وأحب بقاءه على الكفر فهو كافر لأن الرضا بالكفر كفر " من المفسدين " من الضالين المضلين عن الإيمان كقوله : " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون " النحل : 98 . وروي : أن جبريل عليه السلام أتاه بفتيا : ما قول الأمير في عبد لرجل نشأ في ماله ونعمته فكفر نعمته وجحد حقه وادعى السيادة دونه ؟ فكتب فرعون فيه : يقول أبو العباس الوليد بن مصعب : جزاء العبد الخارج على سيده الكافر نعماه أن يغرق في البحر فلما ألجمه الغرق ناوله جبريل خطه فعرفه " ننجيك " بالتشديد والتخفيف : نبعدك مما وقع فيه قومك من قعر البحر . وقيل : نلقيك بنجوة من الأرض . وقرئ : ننحيك بالحاء : نلقيك بناحية مما يلي البحر وذلك أنه طرح بعد الغرق بجانب البحر قال كعب : رماه الماء إلى الساحل كأنه ثور " ببدنك " في موضع الحال أي : في الحال التي لا روح فيك وإنما أنت بدن أو ببدنك كاملا سويا لم ينقص منه شيء ولم يتغير أو عريانا لست إلا بدنا من غير لباس أو بدرعك . قال عمرو بن معد يكرب : .
أعاذل شكتي بدني وسيفي ... وكل مقلص سلس القياد