" لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنه الحق " وعن ابن عباس Bه : لا والله ما شك طرفة عين ولا سأل أحدا منهم وقيل : خوطب رسول الله A والمراد خطاب أمته . ومعناه : فإن كنتم في شك مما أنزلنا إليكم كقوله : " وأنزلنا إليكم نورا مبينا " النساء : 174 ، وقيل : الخطاب للسامع ممن يجوز عليه الشك كقول العرب : إذا عز أخوك فهن . وقيل : إن للنفي أي : فما كنت في شك فاسأل يعني : لا نأمرك بالسؤال لأنك شاك ولكن لتزداد يقينا كما ازداد إبراهيم عليه السلام بمعاينة إحياء الموتى . وقرئ : فاسأل الذين يقرؤون الكتب .
" إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم " .
" حقت عليهم كلمة ربك " ثبت عليهم قول الله الذي كتبه في اللوح وأخبر به الملائكة أنهم يموتون كفارا فلا يكون غيره . وتلك كتابة معلوم لا كتابة مقدر ومراد تعالى الله عن ذلك .
" فلو كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين " .
" فلو كانت " فهلا كانت " قرية " واحدة من القرى التي أهلكناها تابت عن الكفر وأخلصت الإيمان قبل المعاينة وقت بقاء التكليف ولم تأخر كما أخر فرعون إلى أن أخذ بمخنقه " فنفعها إيمانها " بأن يقبله الله منها لوقوعه في وقت الاختيار . وقرأ أبي وعبد الله : فهلا كانت " إلا قوم يونس " استثناء من القرى لأن المراد أهاليها وهو استثناء منقطع بمعنى : ولكن قوم يونس لما آمنوا . ويجوز أن يكون متصلا والجملة في معنى النفي كأنه قيل : ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس وانتصابه على أصل الاستثناء . وقرئ بالرفع على البدل هكذا روي عن الجرمي والكسائي . روي أن يونس عليه السلام بعث إلى نينوى من أرض الموصل فكذبوه فذهب عنهم مغاضبا فلما فقدوه خافوا نزول العذاب . فلبسوا المسوح وعجوا أربعين ليلة . وقيل : قال لهم يونس : إن أجلكم أربعون ليلة فقالوا : إن رأينا أسباب الهلاك آمنا بك فلما مضت خمس وثلاثون أغامت السماء غيما أسود هائلا يدخن دخانا شديدا ثم يهبط حتى يغشى مدينتهم ويسود سطوحهم فلبسوا المسوح وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم وفرقوا بين النساء والصبيان وبين الدواب وأولادها فحن بعضها على بعض وعلت الأصوات والعجيج وأظهروا الإيمان والتوبة وتضرعوا فرحمهم الله وكشف عنهم وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة . وعن ابن مسعود : بلغ من توبتهم أن ترادوا المظالم حتى إن الرجل كان يقتلع الحجر وقد وضع عليه أساس بنائه فيرده وقيل خرجوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا : قد نزل بنا العذاب فما ترى ؟ فقال لهم : قولوا : يا حي حين لا حي ويا حي محيي الموتى ويا حي لا إله إلا أنت فقالوها فكشف عنهم . وعن الفضيل بن عياض : قالوا : اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلت وأنت أعظم منها وأجل افعل بنا ما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله .
" ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " .
" ولو شاء ربك " مشيئة القسر والإلجاء " لآمن من في الأرض كلهم " على وجه الإحاطة والشمول " جميعا على الإيمان مطبقين عليه لا يختلفون فيه . ألا ترى إلى قوله : " أفأنت تكره الناس " يعني إنما يقدر على إكراههم واضطرارهم إلى الإيمان هو لا أنت . وإيلاء الاسم حرف الاستفهام للإعلام بأن الإكراه ممكن مقدور عليه وإنما الشأن في المكره من هو ؟ وما هو إلا هو وحده لا يشارك فيه لأنه هو القادر على أن يفعل في قلوبهم ما يضطرون عنده إلى الإيمان وذلك غير مستطاع للبشر .
" ما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون " .
" وما كان لنفس " يعني من النفوس التي علم أنها تؤمن " إلا بإذن الله " أي بتسهيله وهو منح الألطاف " ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون " قابل بالإذن بالرجس وهو الخذلان والنفس المعلوم إيمانها بالذين لا يعقلون وهم المصرون على الكفر كقوله : " صم بكم عمي فهم لا يعقلون " وسمي الخذلان رجسا وهو العذاب لأنه سببه . وقرئ : الرجز بالزاي . وقرئ : ونجعل بالنون .
" قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون "