" ولا غمة في فرائض الله " أي لا تستر ولكن يجاهر بها يعني : ولا يكن قصدكم إلى إهلاكي مستورا عليكم ولكن مكشوفا مشهورا تجاهرونني به " ثم اقضوا إلي " ذلك الأمر الذي تريدون بي أي : أدوا إلي قطعه وتصحيحه كقوله تعالى : " وقضينا إليه ذلك الأمر " الحجر : 66 ، أو أدوا إلي ما هو حق عليكم عندكم من هلاكي كما يقضي الرجل غريمه " ولا تنظرون " ولا تمهلوني . قرئ : ثم افضوا إلي بالفاء بمعنى : ثم انتهوا إلي بشركم . وقيل : هو من أفضى الرجل إذا خرج إلى الفضاء أي أصحروا به إلي وأبرزوه لي " فإن توليتم " فإن أعرضتم عن تذكيري ونصيحتي " فما سألتكم أجرا " فما كان عندي ما ينفركم عني وتتهموني لأجله من طمع في أموالكم وطلب أجر على عظتكم " إن أجري إلا على الله " وهو الثواب الذي يثيبني به في الآخرة أي : ما نصحتكم إلا لوجه الله لا لغرض من أغراض الدنيا " وأمرت أن أكون من المسلمين " الذين لا يأخذون على تعليم الدين شيئا ولا يطلبون به دنيا يريد : أن ذلك مقتضى الإسلام والذي كل مسلم مأمور به . والمراد أن يجعل الحجة لازمة لهم ويبرئ ساحته فذكر أن توليهم لم يكن عن تفريط منه في سوق الأمر معهم على الطريق الذي يجب أن يساق عليه وإنما ذلك لعنادهم وتمردهم لا غير " فكذبوه " فتموا على تكذيبه وكان تكذيبهم له في آخر المدة المتطاولة كتكذيبهم في أولها وذلك عند مشارفة الهلاك بالطوفان " وجعلناهم خلائف " يخلفون الهالكين بالغرق " كيف كان عاقبة المنذرين " تعظيم لما جرى عليهم وتحذير لمن أنذرهم رسول الله A عن مثله وتسلية له .
" ثم بعثنا من بعدهم رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين " .
" من بعده " من بعد نوح " رسلا إلى قومهم " يعني هودا وصالحا وإبراهيم ولوطا وشعيبا " فجاءوهم بالبينات " بالحجج الواضحة المثبتة لدعواهم " فما كانوا ليؤمنوا " فما كان إيمانهم إلا ممتنعا كالمحال لشدة شكيمتهم في الكفر وتصميمهم عليه " بما كذبوا به من قبل " يريد أنهم كانوا قبل بعثة الرسل أهل جاهلية مكذبين بالحق . فما وقع فصل بين حالتهم بعد بعثة الرسل وقبلها كأن لم يبعث إليهم أحد " كذلك نطبع " مثل ذلك الطبع المحكم نطبع " على قلوب المعتدين " والطبع جار مجرى الكناية عن عنادهم ولجاجهم لأن الخذلان يتبعه . ألا ترى كيف أسند إليهم الاعتداء ووصفهم به .
" ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين قال يا موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين "