ثم نبه على عظيم قدرته ونعمته الشاملة لعباده التي يستحق بها أن يوحدوه بالعبادة إنه جعل لهم الليل مظلما ليسكنوا فيه مما يقاسون في نهارهم من تعب التردد في المعاش والنهار مضيئا يبصرون فيه مطالب أرزاقهم ومكاسبهم " لقوم يسمعون " سماع معتبر مدكر .
" قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السموات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون " .
" سبحانه " تنزيه له عن اتخاذ الولد وتعجب من كلمتهم الحمقاء " هو الغني " علة لنفيالولد لأن ما يطلب به الولد من يلد وما يطلبه له السبب في كنه الحاجة فمن الحاجة منتفية عنه كان الولد عنه منتفيا " له ما في السموات وما في الأرض " فهو مستغن بملكه لهم عن اتخاذ أحد منهم ولدا " إن عندكم من سلطان بهذا " ما عندكم من حجة بهذا القول والباء حقها أن تتعلق بقوله : " إن عندكم " على أن يجعل القول مكانا للسلطان كقولك : ما عندكم بأرضكم موز كأنه قيل : إن عندكم فيما تقولون سلطان " أتقولون على الله ما لا تعلمون " لما نفى عنهم البرهان جعلهم غير عالمين فدل على أن كل قول لا برهان عليه لقائله فذاك جهل وليس بعلم .
" قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون " .
" يفترون على الله الكذب " بإضافة الولد إليه " متاع في الدنيا " أي افتراؤهم هذا منفعة قليلة في الدنيا وذلك حيث يقيمون رياستهم في الكفر ومناصبة النبي A بالتظاهر به ثم يلقون الشقاء المؤبد بعده .
" واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلى ولا تنظرون فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين " .
" كبر عليكم " عظم عليكم وشق وثقل . ومنها قوله تعالى : " وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين " البقرة : 45 ، . ويقال : تعاظمه الأمر " مقامي " مكاني يعني نفسه كما تقول : فعلت كذا لمكان فلان : وفلان ثقيل الظل . ومنه : " ولمن خاف مقام ربه " الرحمن : 46 ، بمعنى خاف ربه . أو قيامي ومكثي بين أظهركم مددا طوالا ألف سنة إلا خمسين عاما أو مقامي وتذكيري لأنهم كانوا إذا وعظوا الجماعة قاموا على أرجلهم يعظونهم ليكون مكانهم بينا وكلامهم مسموعا كما يحكى عن عيسى صلوات الله عليه أنه كان يعظ الحواريين قائما وهم قعود " فأجمعوا أمرهم وشركاءهم " من أجمع الأمر وأزمعه إذا نواه وعزم عليه . قال : .
هل أغدون يوما وأمري مجمع .
والواو بمعنى مع يعني : فأجمعوا أمركم مع شركائكم . وقرأ الحسن : وشركاؤكم بالرفع عطفا على الضمير المتصل وجاز من غير تأكيد بالمنفصل لقيام الفاصل مقامه لطول الكلام كما تقول : اضرب زيدا وعمرو . وقرئ : فاجمعوا من الجمع . وشركاءكم نصب للعطف على المفعول أو لأن الواو بمعنى مع وفي قراءة أبي : فأجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم فإن قلت : كيف جاز إسناد الإجماع إلى الشركاء ؟ قلت : على وجه التهكم كقوله : " قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون " الأعراف : 195 ، فإن قلت : ما معنى الأمرين ؟ أمرهم الذي يجمعونه وأمرهم الذي لا يكون عليهم غمة ؟ قلت : أما الأمر الأول فالقصد إلى إهلاكه يعني : فأجمعوا ما تريدون من إهلاكي واحتشدوا فيه وابذلوا وسعكم في كيدي . وإنما قال ذلك إظهارا لقلة مبالاته وثقته بما وعده ربه من كلاءته وعصمته إياه وأنهم لن يجدوا إليه سبيلا . وأما الثاني ففيه وجهان أحدهما : أن يراد مصاحبتهم له وما كانوا فيه معه من الحال الشديدة عليهم المكروهة عندهم يعني : ثم أهلكوني لئلا يكون عيشكم بسببي غصة وحالكم عليكم غمة : أي غما وهما والغم والغمة كالكرب والكربة . والثاني : أن يراد به ما أريد بالأمر الأول والغمة السترة من غمه إذا ستره . ومنها قوله عليه السلام :