" إن من عباد الله عبادا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله " قالوا : يا رسول الله خبرنا من هم وما أعمالهم ؟ فلعلنا نحبهم قال : " هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس " ثم قرأ الآية : " الذين آمنوا " نصب أو رفع على المدح أو على وصف الأولياء أو على الابتداء والخبر لهم البشرى والبشرى في الدنيا ما بشر الله به المؤمنين المتقين في غير مكان من كتابه وعن النبي A : " هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له " وعنه E : " ذهبت النبوة وبقيت المبشرات " . وقيل : هي محبة الناس له والذكر الحسن . وعن أبي ذر : قلت : لرسول الله A : الرجل يعمل العمل لله ويحبه الناس فقال : " تلك عاجل بشرى المؤمن " وعن عطاء : لهم البشرى عند الموت تأتيهم الملائكة بالرحمة . قال الله تعالى : " تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة " فصلت : 30 ، وأما البشرى في الآخرة فتلقي الملائكة إياهم مسلمين مبشرين بالفوز والكرامة وما يرون من بياض وجوههم وإعطاء الصحائف بأيمانهم وما يقرءون منها وغير ذلك من البشارات " لا تبديل لكلمات الله " لا تغيير لأقواله ولا إخلاف لمواعيده كقوله تعالى : " ما يبدل القول لدي " ق : 29 ، و " ذلك " إشارة إلى كونهم مبشرين في الدارين وكلتا الجملتين اعتراض .
" ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا وهو السميع العليم " .
" ولا يحزنك " وقرئ : ولا يحزنك من أحزنه " قولهم " تكذيبهم لك وتهديدهم وتشاورهم في تدبير هلاكك وإبطال أمرك وسائر ما يتكلمون به في شأنك " إن العزة لله " استئناف بمعنى التعليل كأنه قيل : ما لي لا أحزن ؟ فقيل : إن العزة لله جميعا أي إن الغلبة والقهر في ملكة الله جميعا لا يملك أحد شيئا منها لا هم ولا غيرهم فهو يغلبهم وينصرك عليهم " كتب الله لأغلبن أنا ورسلي " المجادلة : 21 ، " إنا لننصر رسلنا " غافر : 51 ، وقرأ أبو حيوة أن العزة بالفتح بمعنى لأن العزة على صريح التعليل من جعله بدلا من قولهم ثم أنكره فالمنكر هو تخريجه لا ما أنكر من القراءة به " هو السميع العليم " يسمع ما يقولون . ويعلم ما يدبرون ويعزمون عليه . وهو مكافئهم بذلك .
" ألا إن لله من في السموات ومن في الأرض وما يتبع الذين من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرسون " .
" من في السموات ومن في الأرض " يعني العقلاء المميزين وهم الملائكة والثقلان إنما خصهم ليؤذن أن هؤلاء إذا كانوا له وفي ملكته فهم عبيد كلهم وهو سبحانه تعالى : ربهم ولا يصلح أحد منهم للربوبية ولا أن يكون شريكا له فيها فما وراءهم مما لا يعقل أحق أن لا يكون له ندا وشريكا وليدل على أن من اتخذ غيره ربا من ملك أو نسي فضلا عن صنم أو غير ذلك فهو مبطل تابع لما أذى إليه التقليد وترك النظر . معنى : وما يتبعون شركاء أي : وما يتبعون حقيقة الشركاء وإن كانوا يسمونها شركاء لأن شركة الله في الربوبية محال " إن يتبعوا إلا " ظنهم أنها شركاء " وإن هم إلا يخرسون " يحزرون ويقدرون أن تكون شركاء تقديرا باطلا . ويجوز أن يكون " وما يتبع " في معنى الاستفهام يعني : وأي شيء يتبعون . و " شركاء " على هذا نصب بيدعون وعلى الأول بتبع . وكان حقه . وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء شركاء فاقتصر على أحدهما لدلالة . ويجوز أن تكون ما موصولة معطوفة على من كأنه قيل : ولله ما يتبعه الذين دعون من دون الله شركاء أي : وله شركاؤهم . وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه : دعون بالتاء ووجهه أن يحمل " وما يتبع " على الاستفهام أي : وأي شيء يتبع الذين تدعونهم شركاء من الملائكة والنبيين يعني : أنهم يتبعون الله ويطيعونه فما لكم لا تفعلون مثل فعلهم ؟ كقوله تعالى : " أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة " الإسراء : 57 ، ثم صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة فقال : إن يتبع هؤلاء المشركون إلا الظن ولا يتبعون ما يتبع الملائكة والنبييون من الحق .
" هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا وإن في ذلك لآيات لقوم يسمعون "