" متى هذا الوعد " استعجال لما وعدوا من العذاب استبعادا له " أملك لنفسي ضرا " من مرض أو فقر " ولا نفعا " من صحة أو غنى " إلا ما شاء الله " استثناء منقطع : أي ولكن ما شاء الله من ذلك كائن فكيف أملك لكم الضرر وجلب العذاب ؟ " لكل أمة أجل " يعني أن عذابكم له أجل مضروب عند الله وحد محدود من الزمان " إذا جاء " ذلك الوقت أنجز وعدكم لا محالة فلا تستعجلوا . وقرأ ابن سيرين : فإذا جاء آجالهم .
" قل أرأيتم إن آتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون إثم إذا ما وقع أمنتم به آلآن وقد كنتم به تستعجلون ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا ما كنتم تكسبون " .
" بياتا " نصب على الظرف بمعنى . وقت بيات فإن قلت : هلا قيل ليلا أو نهارا ؟ قلت : لأنه أريد : إن أتاكم عذابه وقت بيات فبيتكم وأنتم ساهون نائمون لا تشعرون كما يبيت العدو المباغت . والبيات بمعنى التبييت كالسلام بمعنى التسليم وكذلك قوله : " نهارا " معناه في وقت أنتم فيه مشتغلون بطلب بالمعاش والكسب . ونحوه " بياتا وهم نائمون " الأعراف : 98 ، " ضحى وهم يلعبون " الأعراف : 98 ، الضمير في " منه " للعذاب . والمعنى : أن العذاب كله مكروه مر المذاق موجب للنفار فأي شيء يستعجلون منه وليس شيء منه يوجب الاستعجال . ويجوز أن يكون معناه التعجب كأنه قيل أي شيء هول شديد يستعجلون منه ويجب أن تكون من للبيان في هذا الوجه . وقيل : الضمير في " منه " لله تعالى . فإن قلت : بم تعلق الاستفهام ؟ وأين جواب الشرط قلت تعلق بأرأيتم لأن المعنى : أخبروني ماذا يستعجل منه المجرمون وجواب الشرط محذوف وهو : تندموا على الاستعجال أو تعرفوا الخطأ فيه . فإن قلت : فهلا قيل : ماذا تستعجلون منه . قلت : أريدت الدلالة على موجب ترك الاستعجال وهو الإجرام ؟ لأن من حق المجرم أن يخاف التعذيب على إجرامه ويهلك فزعا من مجيئه وإن أبطأ فضلا أن يستعجله . ويجوز أن يكون " ماذا يستعجل منه المجرمون " جوابا للشرط كقولك : إن أتيتك ماذا تطعمني ؟ ثم تتعلق الجملة بأرأيتم وأن يكون " أثم إذا ما وقع أمنتم به " جواب الشرط و " ماذا يستعجل منه المجرمون " اعتراضا . والمعنى : إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان ودخول حرف الاستفهام على ثم كدخوله على الواو والفاء في قوله : " أفأمن أهل القرى " الأعراف : 97 ، " أو أمن أهل القرى " الأعراف : 98 ، " آلآن " على إرادة القول أي : قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب : آلآن آمنتم به " وقد كنتم به تستعجلون " يعني : وقد كنتم به تكذبون ؟ لأن استعجالهم كان على جهة التكذيب والإنكار . وقرئ : آلان بحذف الهمزة بعد اللام وإلقاء حركتها على اللام " ثم قيل الذين ظلموا " عطف على قيل المضمر قبل آلآن .
" يستنبؤنك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين " .
" " يستنبؤنك " ويستخبرونك فيقولون : " أحق هو " وهو استفهام على جهة الإنكار والاستهزاء . وقرأ الأعمش : آلحق هو وهو أدخل في الاستهزاء لتضمنه معنى التعريض بأنه باطل . وذلك أن اللام للجنس فكأنه قيل : أهو الحق لا الباطل ؟ أو أهو الذي سميتموه الحق والضمير للعذاب الموعود . و " إي " بمعنى نعم في القسم خاصة كما كان هل بمعنى قد في الاستفهام خاصة . وسمعتهم يقولون في التصديق : إيو فيصلونه بواو القسم ولا ينطقون به وحده " وما أنتم بمعجزين " بفائتين العذاب وهو لاحق بهم لا محالة .
" ولو أن لكل نفس ظلمات ما في الأرض لأفتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ألا إن لله ما في السموات والأرض ألا أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون هو يحي ويميت وإليه ترجعون "