" ومنهم من يستمعون إليك " معناه : ومنهم ناس يستمعون إليك إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع ولكنهم لا يعون ولا يقبلون وناس ينظرون إليك ويعاينون أدلة الصدق وأعلام النبوة ولكنهم لا يصدقون . ثم قال : أتطمع أنك تقدر على إسماع الصم ولو انضم إلى صممهم عدم عقولهم لأن الأصم العاقل ربما تفرس واستدل إذا وقع في صماخه دوي الصوت فإذا اجتمع سلب السمع والعقل جميعا فقد تم الأمر . وأتحسب أنك تقدر على هداية العمي ولو انضم إلى العمى وهو فقد البصر فقد البصيرة لأن الأعمى الذي له في قلبه بصيرة قد يحدس ويتظنن . وأما العمى مع الحق فجهد البلاء يعني أنهم في اليأس من أن يقبلوا ويصدقوا كالصم والعمي الذين لا بصائر لهم ولا عقول . وقوله : " أفأنت...... أفأنت " دلالة على أنه لا يقدر على إسماعهم وهدايتهم إلا الله D بالقسر والإلجاء كما لا يقدر على رد الأصم والأعمى المسلوبي العقل حديدي السمع والبصر راجحي العقل إلا هو وحده .
" إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون " .
" إن الله لا يظلم الناس شيئا " أي لا ينقصهم شيئا مما يتصل بمصالحهم من بعثة الرسل وإنزال الكتب ولكنهم يظلمون أنفسهم بالكفر والتكذيب ويجوز أن يكون وعيدا للمكذبين يعني : أن ما يلحقهم يوم القيامة من العذاب لاحق بهم على سبيل العدل والاستيجاب . ولا يظلمهم الله به ولكنهم ظلموا أنفسهم باقتراف ما كان سببا فيه .
" ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين " .
" إلا ساعة من النهار " يستقربون وقت لبثهم في الدنيا . وقيل : في القبور لهول ما يرون " يتعارفون بينهم " يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا وذلك عند خروجهم من القبور ثم ينقطع التعارف بينهم لشدة الأمر عليهم . فإن قلت : " كأن لم يلبثوا " و " يتعارفون " كيف موقعهما ؟ قلت : أما الأولى فحال من هم أي يحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة . وأما الثانية فإما أن تتعلق بالظرف . وإما أن كون مبينة لقوله : " كأن لم يلبثوا إلا ساعة " لأن التعارف لا يبقى مع طول العهد وينقلب تناكرا " قد خسر " على إرادة القول أي يتعارفون بينهم قائلين ذلك أو هي شهادة من الله تعالى على خسرانهم . والمعنى أنهم وضعوا في تجارتهم وبيعهم الإيمان بالكفر " وما كانوا مهتدين " للتجارة عارفين بها وهو استئناف فيه معنى التعجب كأنه قيل : ما أخسرهم ! .
" وإما نريك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعكم ثم الله شهيد على ما تفعلون " .
" فإلينا مرجعكم " جواب نتوفينك وجواب نرينك محذوف كأنه قيل : وإما نرينك بعض الذي نعدهم في الدنيا فذاك أو نتوفينك قبل أن نريكه فنحن نريكه في الآخرة . فإن قلت : الله شهيد على ما يفعلون في الدارين فما معنى ثم ؟ قلت : ذكرت الشهادة والمراد مقتضاها ونتيجتها وهو العقاب كأنه قال : ثم الله معاقب على ما يفعلون . وقرأ ابن أبي عبلة : ثم بالفتح أي هنالك . ويجوز أن يراد : أن الله مؤد شهادته على أفعالهم يوم القيامة حين ينطق جلودهم وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم شاهدة عليهم .
" ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بالقسط وهو لا يظلمون " .
" ولكل أمة رسول " يبعث إليهم لينبههم على التوحيد ويدعوهم إلى دين الحق " فإذا جاء " هم " رسولهم " بالبينات فكذبوه ولم يتبعوه " قضى بينهم " أي بين النبي ومكذبيه " بالقسط " بالعدل فأنجى الرسول وعذب المكذبون كقوله " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " الإسراء : 15 ، أو لكل أمة من الأمم يوم القيامة رسول تنسب إليه وتدعى به فإذا جاء رسولهم الموقف ليشهد عليهم بالكفر والإيمان كقوله تعالى : " وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق " الزمر : 69 .
" يقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون "