" ظلمات " صفة لنفس على : ولو أن لكل نفس ظالمة " ما في الأرض " أي ما في الدنيا اليوم من خزائنها وأموالها وجميع منافعها على كثرتها " لأفتدت به " لجعلته فدية لها . يقال : فده فافتدى . ويقال : افتداه أيضا بمعنى فداه " وأسروا الندامة لما رأوا العذاب " لأنهم بهتوا لرؤيتهم ما لم يحتسبوه ولم يخطر ببالهم وعاينوا من شدة الأمر وتفاقمه ما سلبهم قواهم وبهرهم فلم يطيقوا عنده بكاء ولا صراخا ولا ما يفعله الجازع سوى إسرار الندم والحسرة في القلوب كما ترى المقدم للصلب يثخنه ما دهمه من فظاعة الخطب ويغلب حتى لا ينبس بكلمة ويبقى جامدا مبهوتا وقيل : أسر رؤساؤهم الندامة من سفالتهم الذين أضلوهم حياء منهم وخوفا من توبيخهم وقيل أسروها أخلصوها إما لأن إخفاءها إخلاصها وإما من قولهم : سر الشيء خالصه . وفيه تهكم بهم وبأخطائهم وقت إخلاص الندامة . وقيل : أسروا الندامة : أظهروها من قولهم : أسر الشيء وأشره إذا أظهره . وليس هناك تجلد " وقضى بينهم " أي بين الظالمين والمظلومين دل على ذلك ذكر الظلم . ثم أتبع ذلك الإعلام بأن له الملك كله وأنه المثيب المعاقب وما وعدوه من الثواب والعقاب فهو حق . وهو القادر على الإحياء والإماتة لا يقدر عليهما غيره وإلى حسابه وجزائه المرجع ليعلم أن الأمر كذلك فيخاف ويرجى ولا يغتر به المغترون .
" يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " .
" قد جاءتكم موعظة " أي قد جاءكم كتاب جامع لهذه الفوائد من موعظة وتنبيه على التوحيد " و " هو " لما في " صدوركم من العقائد الفاسد ودعاء إلى الحق " ورحمة " لمن أمن به منكم . وأصل الكلام : بفضل الله ورحمته فليفرحوا فبذلك فليفرحوا والتكرير للتأكيد والتقرير وإيجاب اختصاص الفضل والرحمة والفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا فحذف أحد الفعلين لدلالة المذكور عليه والفاء داخلة لمعنى الشرط ؛ كأنه قيل : إن فرحوا بشيء فليخصوهما بالفرح فإنه لا مفروح به أحق منهما . ويجوز أن يراد : بفضل الله وبرحمته فليعتنوا فبذلك فليفرحوا . ويجوز أن يراد : قد جاءتكم موعظة بفضل الله وبرحمته فبذلك : فبمجيئها فليفرحوا .
وقرئ : فلتفرحوا بالتاء وهو الأصل والقياس وهي قراءة رسول الله A فيما روي . وعنه : " لتأخذوا مصافكم " قالها في بعض الغزوات . وفي قراءة أبي : فافرحوا " هو " راجع إلى ذلك . وقرئ مما تجمعون بالياء والتاء . وعن أبي بن كعب : أن رسول الله A تلا : " قل بفضل الله ورحمته " فقال بكتاب الله والإسلام وقيل فضله الإسلام ورحمته ما وعد عليه .
" قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون "