والعسرة : حالهم في غزوة تبوك كانوا في عسرة من الظهر : يعتقب العشرة على بعير واحد . وفي عسرة من الزاد : تزودوا التمر المدود والشعير المسوس والإهالة الزنخة وبلغت بهم الشدة أن اقتسم التمرة اثنان وربما مصها الجماعة ليشربوا عليها الماء . وفي عسرة من الماء حتى نحروا الإبل واعتصروا فروثها . وفي شدة زمان من حمارة القيظ ومن الجدب والقحط والضيقة الشديدة " كاد تزيغ قلوب فريق منهم " عن الثبات على الإيمان أو عن اتباع الرسول A في تلك الغزوة والخروج معه . وفي كاد ضمير الشأن وشبهه سيبويه بقولهم : ليس خلق الله مثله . وقرئ : يزيغ بالياء . وفي قراءة عبد الله : من بعد ما زاغت قلوب فريق منهم يريد المتخلفين من المؤمنين كأبي لبابة وأمثاله " ثم تاب عليهم " تكرير للتوكيد . ويجوز أن يكون الضمير للفريق : تاب عليهم لكيدودتهم .
" وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم " .
" الثلاثة " كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية . ومعنى " خلفوا " خلفوا عن الغزو وقيل عن أبي لبابة وأصحابه حين تيب عليهم بعدهم وقرئ خلفوا أي خلفوا الغازين بالمدينة أو فسدوا من الخالفة وخلوف الفم . وقرأ جعفر الصادق رضي الله عنه : خالفوا . وقرأ الأعمش : " وعلى الثلاثة المخلفين " بما رحبت " برحبها أي : مع سعتها وهو مثل للحيرة في أمرهم كأنهم لا يجدون فيها مكانا يقرون فيه قلقا وجزعا مما هم فيه " وضاقت عليهم أنفسهم " أي قلوبهم لا يسعها أنس ولا سرور لأنها حرجت من فرط الوحشة والغم " وظنوا " وعلموا " أن لا ملجأ من " سخط " الله إلا " إلى استغفاره " ثم تاب عليهم ليتوبوا " ثم رجع عليهم بالقبول والرحمة كرة بعد أخرى ليستقيموا على توبتهم ويثبتوا وليتوبوا أيضا فيما يستقبل إن فرطت منهم خطيئة علما منهم أن الله تواب على من تاب ولو عاد في اليوم مائة مرة . روي أن ناسا من المؤمنين تخلفوا عن رسول الله A . منهم من بدا له وكره مكانه فلحق به . عن الحسن : بلغني أنه كان لأحدهم حائط كان خيرا من مائة ألف درهم فقال : يا حائطاه ما خلفني إلا ظلك وانتظار ثمرك اذهب فأنت في سبيل الله . ولم يكن لآخر إلا أهله فقال : يا أهلاه ما بطأني ولا خلفني إلا الضن بك لا جرم والله لأكابدن المفاوز حتى ألحق برسول الله A فركب ولحق به . ولم يكن لآخر إلا نفسه لا أهل ولا مال فقال : يا نفس ما خلفني إلا حب الحياة لك والله كابدن الشدائد حتى ألحق برسول الله فتأبط زاده ولحق به . قال الحسن : كذلك والله المؤمن يتوب من ذنوبه ولا يصر عليها .
وعن أبي ذر الغفاري : أن بعيره أبطأ به فحمل متاعه على ظهره واتبع أثر رسول الله A ماشيا فقال رسول الله A لما رأى سواده : كن أبا ذر فقال الناس : هو ذاك فقال : رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده " .
وعن أبي خيثمة أنه بلغ بستانه وكانت له امرأة حسناء فرشت له في الظل وبسطت له الحصير وقربت إليه الرطب والماء البارد فنظر فقال : ظل ظليل ورطب يانع " وماء بارد وامرأة حسناء ورسول الله A في الضح والريح . : ما هذا بخير فقام فرحل ناقته وأخذ سيفه ورمحه ومر كالريح فمد رسول الله A طرفه إلى الطريق فإذا برأي يزهاه السراب فقال : " كن أبا خيثمة " فكانه . ففرح به رسول الله A واستغفر له .
ومنهم من بقي لم يلحق به . منهم الثلاثة