" إنما السبيل على الذين يستأذنوك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون " .
فإن قلت : " رضوا " ما موقعه ؟ قلت : هو استئناف كأنه قيل : ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء ؟ فقيل : رضوا بالدناءة والضعة والانتظام في جملة الخوالف " وطبع الله على قلوبهم " يعني أن السبب في استئذانهم رضاهم بالدناءة وخذلان الله تعالى إياهم . فإن قلت : فهل يجوز أن يكون قوله : " قلت لا أجد " استئنافا مثله كأنه قيل : إذا ما أتوك لتحميهم تولوا فقيل : ما لهم تولوا باكين ؟ فقيل : قلت لا أجد ما أحملكم عليه . إلا أنه وسط بين الشرط والجزاء كالاعتراض قلت : نعم ويحسن " لن نؤمن لكم " علة في عن الاعتذار لأن غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به فإذا علم أنه مكذب وجب عليه الإخلال وقوله : " قد نبأنا الله من أخباركم " علة لانتفاء تصديقهم لأن الله D إذا أوحى إلى رسوله الإعلام بأخبارهم وما في ضمائرهم من الشر والفساد لم يستقم مع ذلك تصديقهم في معاذيرهم " وسيرى الله عملكم " أتنيبون أم تثبتون على كفركم " ثم تردون " إليه وهو عالم كل غيب وشهادة وسر وعلانية فيجازيكم على حسب ذلك .
" سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليه لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون " .
" لتعرضوا عنهم " فلا توبخوهم ولا تعاتبوهم " فأعرضوا عنهم " فأعطوهم طلبتهم " إنهم رجس " تعليل لترك معاتبتهم يعني أن المعاتبة لا تنفع فيهم ولا تصلحهم إنما يعاتب الأديب ذو البشرة . والمؤمن يوبخ على زلة تفرط منه ليطهره التوبيخ بالحمل على التوبة والاستغفار وأما هؤلاء فأرجاس لا سبيل إلى تطهيرهم " مأواهم جهنم " يعني وكفتهم النار عتابا وتوبيخا فلا تتكلفوا عتابهم .
" يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين " .
" لترضوا عنهم " أي غرضهم في الحلف بالله طلب رضاكم لينفعهم ذلك في دنياهم " فإن ترضوا عنهم " فإن رضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كان الله ساخطا عليهم وكانوا عرضة لعاجل عقوبته وآجلها . وقيل : إنما قيل ذلك لئلا يتوهم متوهم أن رضا المؤمنين يقتضي رضا الله عنهم . وقيل : هم جد بن قيس ومعتب بن قشير وأصحابهما وكانوا ثمانين رجلا منافقين فقال النبي A حين قدم المدينة : " لا تجالسوهم ولا تكلموهم " . وقيل : جاء عبد الله بن أبي يحلف أن لا يتخلف عنه أبدا .
" الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم " .
" الأعراب " أهل البدو " أشد كفرا ونفاقا " من أهل الحضر لجفائهم وقسوتهم وتوحشهم ونشئهم في بعد من مشاهدة العلماء ومعرفة الكتاب والسنة " وأجدر ألا يعلموا " وأحق بجهل حدود الدين وما أنزل الله من الشرائع والأحكام . ومنه قوله A : " إن الجفاء والقسوة في الفدادين " . " والله عليم " يعلم حال كل أحد من أهل الوبر والمدر " حكيم " فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم ومخطئهم ومصيبهم من عقابه وثوابه .
" ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم "