" لا يستئذنك " ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا وكان الخلص من المهاجرين والأنصار يقولون : لا نستأذن النبي أبدا ولنجاهدن أبدا معه بأموالنا وأنفسنا . ومعنى " أن يجاهدوا " في أن يجاهدوا أو كراهة أن يجاهدوا " والله عليم بالمتقين " شهادة لهم بالانتظام في زمرة المتقين وعدة لهم بأجزل الثواب .
" إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله أنبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون " .
" إنما يستأذنك " يعني المنافقين وكانوا تسعة وثلاثين رجلا " يترددون " عبارة عن التحير لأن التردد دين المتحير كما أن الثبات والاستقرار دين المستبصر . وقرئ : عدة بمعنى عدته فعل بالعدة ما فعل بالعدوة من قال : .
وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا .
من حذف تاء التأنيث وتعويض المضاف إليه منها . وقرئ : عدة بكسر العين بغير إضافة وعدة بإضافة . فإن قلت : كيف موقع حرف الاستدراك ؟ قلت : لما كان قوله : " ولو أرادوا الخروج " معطيا معنى نفي خروجهم واستعدادهم للغزو . قيل : " ولكن كره الله أنبعاثهم " كأنه قيل : ما خرجوا ولكن تثبطوا عن الخروج لكراهة انبعاثهم كما تقول : ما أحسن إلي زيد ولكن أساء إلي " فثبطهم " فكسلهم وخذلهم وضعف رغبتهم في الانبعاث " وقيل اقعدوا " جعل إلقاء الله في قلوبهم كراهة الخروج أمرا بالقعود . وقيل : هو قول الشيطان بالوسوسة . وقيل : هو قولهم لأنفسهم . وقيل : هو إذن رسول الله A لهم في القعود . فإن قلت : كيف جاز أن يوقع الله تعالى في نفوسهم كراهة الخروج إلى الغزو وهي قبيحة وتعالى الله عن إلهام القبيح ؟ قلت : خروجهم كان مفسدة لقوله : " لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا " فكان إيقاع كراهة ذلك الخروج في نفوسهم حسنا ومصلحة . فإن قلت : فلم خطأ رسول الله A في الإذن لهم فيما هو مصلحة ؟ قلت : لأن إذن رسول الله A لهم لم يكن للنظر في هذه المصلحة ولا علمها إلا بعد القفول بإعلام الله تعالى ولكن لأنهم استأذنوه في ذلك واعتذروا إليه فكان عليه أن يتفحص عن كنه معاذيرهم ولا يتجوز في قبولها فمن ثم أتاه العتاب ويجوز أن يكون في ترك رسول الله بمر الإذن لهم مع تثبيط الله إياهم مصلحة أخرى فبإذنه لهم فقدت تلك المصلحة وذلك أنهم إذا ثبطهم الله فلم ينبعثوا وكان قعودهم بغير إذن من رسول الله A قامت عليهم الحجة ولم تبق لهم معذرة . ولقد تدارك الله ذلك حيث هتك أستارهم وكشف أسرارهم وشهد عليهم بالنفاق وأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر . فإن قلت : ما معنى قوله : " مع القاعدين " ؟ قلت : هو ذم لهم وتعجيز وإلحاق بالنساء والصبيان والزمنى الذين شأنهم القعود والجثوم في البيوت وهم القاعدون والخالفون والخوالف ويبينه قوله تعالى : " رضوا بأن يكونوا مع الخوالف " التوبة : 87 ، 93 ، . " إلا خبالا " ليس من الاستثناء المنقطع في شيء كما يقولون لأن الاستثناء المنقطع هو أن يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه كقولك : ما زادوكم خيرا إلا خبالا والمستثنى منه في هذا الكلام غير مذكور وإذا لم يذكر وقع الاستثناء من أعم العام الذي هو الشيء فكان استثناء متصلا ؟ لأن الخبال بعض أعم العام كأن قيل ما زادوكم شيئا إلا خبالا والخبال الفساد والشر " ولأوضعوا خلالكم " ولسعوا بينكم بالتضريب والنمائم وإفساد ذات البين . يقال : وضع البعير وضعا إذا أسرع وأوضعته أنا والمعنى : ولأوضع ركائبهم بينكم والمراد الإسراع بالنمائم لأن الراكب أسرع من الماشي . وقرأ ابن الزبير Bه : " ولأرقصوا " من رقصت الناقة رقصا إذا أسرعت وأرقصتها قال : .
والراقصات إلى منى فالغبغب