لما دخلا الغار بعث الله تعالى حمامتين فباضتا في أسفله والعنكبوت فنسجت عليه . وقال رسول الله A : " اللهم أعم أبصارهم " : فجعلوا يترددون حول الغار ولا يفطنون . وقد أخذ الله بأبصارهم عنه . وقالوا : من أنكر صحبة أبي بكر رضي الله عنه فقد كفر لإنكاره كلام الله وليس ذلك لسائر الصحابة " سكينته " ما ألقى في قلبه من الأمنة التي سكن عندها وعلم أنهم لا يصلون إليه والجنود الملائكة يوم بدر والأحزاب وحنين . وكلمة الذين كفروا : دعوتهم إلى الكفر " وكلمة الله " دعوته إلى الإسلام . وقرئ : كلمة الله بالنصب والرفع أوجه و " هي " فصل أو مبتدأ وفيها تأكيد فضل كلمة الله في العلو وأنها المختصة به دون سائر الكلم " خفافا وثقالا " خفافا في النفور لنشاطكم له وثقالا عنه لمشقته عليكم أو خفافا لقلة عيالكم وأذيالكم وثقالا لكثرتها . أو خفافا من السلاح وثقالا منه . أو ركبانا ومشاة . أو شبابا وشيوخا . أو مهازيل وسمانا . أو صحاحا ومراضا . وعن ابن أم مكتوم أنه قال لرسول الله A : أعلي أن أنفر ؟ قال : نعم حتى نزل قوله : " ليس على الأعمى حرج " النور : 61 ، وعن ابن عباس : نسخت بقوله : " ليس على الضعفاء ولا على المرضى " التوبة : 91 ، وعن صفوان بن عمرو : كنت واليا على حمص فلقيت شيخا كبيرا قد سقط حاجباه من أهل دمشق على راحلته يريد الغزو . فقلت : يا عم لقد أعذر الله إليك فرفع حاجبيه وقال : يا ابن أخي استنفرنا الله خفافا وثقالا إلا أنه من يحبه الله يبتله . وعن الزهري : خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل له : إنك عليل صاحب ضرر فقال : استنفرنا الله الخفيف والثقيل فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع " وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم " إيجاب للجهاد بهما إن أمكن أو بأحدهما على حسب الحال والحاجة .
" لو كان عرضا قريبا أو سفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم أنهم لكاذبون " .
العرض : ما عرض لك من منافع الدنيا . يقال : الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر أي لو كان ما دعوا إليه غنما قريبا سهل المنال " سفرا قاصدا " وسطا مقاربا " الشقة " المسافة الشاقة . وقرأ عيسى بن عمر : " بعدت عليهم الشقة " بكسر العين والشين ومنه قوله : .
يقولون لا تبعد وهم يدفنونه ... ولا بعد إلا ما توراي الصفائح .
" بالله " متعلق بسيحلفون أو هو من جملة كلامهم . والقول مراد في الوجهين أي سيحلفون يعني المتخلفين عند رجوعك من غزوة تبوك معتذرين يقولون بالله " لو استطعنا لخرجنا معكم " أو سيحلفون بالله ويقولون : لو استطعنا وقوله : " لخرجنا " سد مسد جوابي القسم ولو جميعا والإخبار بما سوف يكون بعد القفول من حلفهم واعتذارهم . وقد كان من جملة المعجزات . ومعنى الاستطاعة : استطاعة العدة أو استطاعة الأبدان كأنهم تمارضوا . وقرئ : " لو استطعنا " بضم الواو تشبيها لها بواو الجمع في قوله : " فتمنوا الموت " البقرة : 94 ، . " يهلكون أنفسهم " إما أن يكون بدلا من سيحلفون أو حالا بمعنى مهلكين . والمعنى : أنهم يوقعونها في الهلاك بحلفهم الكاذب وما يحلفون عليه من التخلف . ويحتمل أن يكون حالا من قوله : " لخرجنا " أي لخرجنا معكم وإن أهلكنا أنفسنا وألقيناها في التهلكة بما نحملها من المسير في تلك الشقة . وجاء به على لفظ الغائب لأنه مخبر عنهم . ألا ترى أنه لو قيل : سيحلفون بالله لو استطاعوا لخرجوا لكان سديدا يقال : حلف بالله ليفعلن ولأفعلن فالغيبة على حكم الإخبار والتكلم على الحكاية .
" عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين " .
" عفا الله عنك " كناية عن الجناية لأن العفو رادف لها . ومعناه : أخطأت وبئس ما فعلت . و " لم أذنت لهم " بيان لما كنى عنه بالعفو . ومعناه : مالك أذنت لهم في القعود عن الغزو حين استأذنوك واعتلوا لك بعللهم وهلا استأنيت بالإذن " حتى يتبين لك " من صدق في عذره ممن كذب فيه . وقيل : شيئان فعلهما رسول الله ولم يؤمر بهما : إذنه للمنافقين وأخذه من الأسارى فعاتبه الله تعالى .
" لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين "