" يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم في الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون " .
" اثاقلتم " تثاقلتم . وبه قرأ الأعمش أي تباطأتم وتقاعستم . وضمن معنى الميل والإخلاد فعدي بإلى . والمعنى : ملتم إلى الدنيا وشهواتها وكرهتم مشاق السفر ومتاعبه ونحوه : " أخلد إلى الأرض واتبع هواه " الأعراف : 176 ، وقيل : ملتم إلى الإقامة بأرضكم ودياركم . وقرئ : " أثاقلتم " ؟ على الاستفهام الذي معناه الإنكار والتوبيخ . فإن قلت : فما العامل في " إذا " وحرف الاستفهام مانعة أن يعمل فيه ؟ قلت : ما دل عليه قوله : " اثاقلتم " أو ما في " مالكم " من معنى الفعل كأنه قيل : ما تصنعون إذا قيل لكم كما تعمله في الحال إذا قلت : مالك قائما وكان ذلك في غزوة تبوك في سنة عشر بعد رجوعهم من الطائف . استنفروا في وقت عسرة وقحط وقيظ مع بعد الشقة وكثرة العدو فشق عليهم . وقيل : ما خرج رسول الله A في غزوة إلا ورى عنها بغيرها إلا في غزوة تبوك ليستعد الناس تمام العدة " من الآخرة " أي بدل الآخرة كقوله : " لجعلنا منكم ملائكة " الزخرف : 60 ، " في الآخرة " في جنب الآخرة " إلا تنفروا " سخط عظيم على المتثاقلين حيث أوعدهم بعذاب أليم مطلق يتناول عذاب الدارين وأنه يهلكهم ويستبدل بهم قوما آخرين خيرا منهم وأطوع وأنه غني عنهم في نصرة دينه لا يقدح تثاقلهم فيها شيئا : وقيل : الضمير للرسول : أي ولا تضروه لأن الله وعده أن يعصمه من الناس وأن ينصره ووعد الله كائن لا محالة وقيل : يريد بقوله : " قوما غيركم " التوبة : 39 ، أهل اليمن . وقيل : أبناء فارس والظاهر مستغن عن التخصيص . فإن قلت : كيف يكون قوله : " فقد نصره الله " جوابا للشرط ؟ قلت : فيه وجهان أحدهما : إلا تنصروه فسينصره من نصره حين لم يكن معه إلا رجل واحد ولا أقل من الواحد فدل بقوله : " فقد نصره الله " على أنه ينصره في المستقبل كما نصره في ذلك الوقت . والثاني : أنه أوجب له النصرة وجعله منصورا في ذلك الوقت فلن يخذل من بعده . وأسند الإخراج إلى الكفار كما أسند إليهم في قوله : " من قريتك التي أخرجتك " محمد : 13 ، لأنهم حين هموا بإخراجه أذن الله له في الخروج فكأنهم أخرجوه " ثاني اثنين " أحد اثنين كقوله : " ثالث ثلاثة " وهما رسول الله A وأبو بكر الصديق Bه . يروى : أن جبريل عليه السلام لما أمره بالخروج قال : من يخرج معي ؟ قال : أبو بكر وانتصابه على الحال . وقرئ : " ثاني اثنين " بالسكون و " إذ هما " بدل من إذ أخرجه . والغار : ثقب في أعلى ثور وهو جبل في يمين مكة على مسيرة ساعة مكثا فيه ثلاثا " إذ يقول " بدل ثان . وقيل : طلع المشركون فوق الغار فأشفق أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال : إن تصب اليوم ذهب دين الله فقال E : " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " : وقيل :