" ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض " . والسنة اثنا عشر شهرا : منها أربعة حرم ثلاث متواليات : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم . ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان . والمعنى : رجعت الأشهر إلى كانت عليه وعاد الحج في ذي الحجة وبطل النسئ الذي كان في الجاهلية وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة وكان حجة أبي بكر Bه قبلها في ذي القعدة " ذلكم الدين القيم " يعني أن تحريم الأشهر الأربعة هو الدين المستقيم دين إبراهيم وإسماعيل وكانت العرب قد تمسكت به وراثة منهما وكانوا يعظمون الأشهر الحرم ويحرمون القتال فيها حتى لو لقي الرجل قاتل أبيه أو أخيه لم يهجه وسموا رجبا : الأصم ومنصل الأسنة حتى أحدثت النسئ فغيروا " فلا تظلموا فيهن " في الحرم " أنفسكم " أي لا تجعلوا حرامها حلالا . وعن عطاء : تالله ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا وما نسخت وعن عطاء الخراساني Bه : أحقت القتال في الأشهر الحرم براءة من الله ورسوله . وقيل : معناه لا تأتموا فيهن بيانا لعظم حرمتهن كما عظم أشهر الحج بقوله تعالى : " فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق " الآية البقرة : 197 ، وإن كان ذلك محرما في سائر الشهور " كافة " حال من الفاعل أو المفعول " مع المتقين " ناصر لهم حثهم على التقوى بضمان النصر لأهلها .
" إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا لحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطؤا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين " .
والنسئ : تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر وذلك أنهم كانوا أصحاب حروب وغارات فإذا جاء الشهر الحرام وهم محاربون شق عليهم ترك المحاربة فيحلونه ويحرمون مكانه شهر آخر حتى رفضوا تخصيص الأشهر الحرم بالتحريم فكانوا يحرمون من شق شهور العام أربعة أشهر وذلك قوله تعالى : " ليواطؤا عدة ما حرم الله " أي ليوافقوا العدة التي هي الأربعة ولا يخالفوها وقد خالفوا التخصيص الذي هو أحد الواجبين . وربما زادوا في عدد الشهور فيجعلونها ثلاثة عشر أو أربعة عشر ليتسع لهم الوقت . ولذلك قال عز وعلا " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا " التوبة : 36 ، يعني من غير زيادة زادوها . والضمير في : يحلونه ويحزمونه للنسئ . أي إذا أحلوا شهرا من الأشهر الحرم عاما رجعوا فحرموه في العام المقبل وروي : أنه حدث ذلك في كنانة لأنهم كانوا فقراء محاويج إلى الغارة وكان جنادة بن عوف الكناني مطاعا في الجاهلية وكان يقوم على جمل في الموسم فيقول بأعلى صوته : إن آلهتكم قد أحقت لكم المحرم فأحلوه ثم يقوم في القابل فيقول : إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرموه . جعل النسئ زيادة في الكفر لأن الكافر كلما أحدث معصية ازداد كفرا " فزادتهم رجسا إلى رجسهم " التوبة : 125 ، كما أن المؤمن إذا أحدث الطاعة ازداد إيمانا " فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون " التوبة : 124 ، . وقرئ : " يضل " على البناء للمفعول ويضل بفتح الياء والضاد و يضل على أن الفعل لله D . وقرأ الزهري : ليوطئوا بالتشديد . والنسئ مصدر نسأه إذا أخره . يقال نسأه ونسأ ونساء ونسيئا كقولك : مسه مسا ومساسا ومسيسا . وقرئ بهن جميعا . وقرئ : النسى بوزن الندى . والنسي بوزن النهي وهما تخفيف النسئ والنسء . فإن قلت : ما معنى قوله : " فيحلون ما حرم الله " قلت : معناه فيحلوا بمواطأة العدة وحدها من غير تخصيص ما حرم الله من القتال أو من ترك الاختصاص للأشهر بعينها " زين لهم سوء أعمالهم " خذلهم الله فحسبوا أعمالهم القبيحة حسنة " والله لا يهدي " أي لا يلطف بهم بل يخذلهم . وقرئ : " زين لهم سوء أعمالهم " على البناء للفاعل وهو الله D