" فإن تابوا " عن الكفر ونقض العهد " فإخوانكم في الدين " فهم إخوانكم على حذف المبتدأ كقوله تعالى : " فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم " الأحزاب : 5 ، " ونفصل الآيات " ونبينها . وهذا اعتراض كأنه قيل : وإن من تأمل تفصيلها فهو العالم بعثا وتحريضا على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين وعلى المحافظة عليها .
" وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون " .
" وطعنوا في دينكم " وثلبوه وعابوه " فقاتلوا أئمة الكفر " فقاتلوهم فوضع أئمة الكفر موضع ضميرهم : إشعارا بأنهم إذا نكثوا في حال الشرك تمردا وطغيانا وطرحا لعادات الكرام الأوفياء من العرب ثم آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وصاروا إخوانا للمسلمين في الدين ثم رجعوا فارتدوا عن الإسلام ونكثوا ما بايعوا عليه من الإيمان والوفاء بالعهود وقعدوا يطعنون في دين الله ويقولون ليس دين محمد بشيء فهم أئمة الكفر وذوو الرياسة والتقدم فيه لا يشق كافر غبارهم . وقالوا : إذا طعن الذمي في دين الإسلام طعنا ظاهرا جاز قتله لأن العهد معقود معه على أن لا يطعن فإذا طعن فقد نكث عهده وخرج من الذمة " إنهم لا أيمان لهم " جمع يمين : وقرئ : لا إيمان لهم أي لا إسلام لهم أو لا يعطون الأمان بعد الردة والنكث ولا سبيل إليه فإن قلت : كيف أثبت لهم الإيمان في قوله : " فإن نكثوا أيمانهم " ثم نفاها عنهم ؟ قلت : أراد أيمانهم التي أظهروها ثم قال لا إيمان لهم على الحقيقة وأيمانهم ليست بأيمان . وبه استشهد أبو حنيفة رحمه الله على أن يمين الكافر لا تكون يمينا . وعند الشافعي C : يمينهم يمين . وقال : معناه أنهم لا يوفون بها بدليل أنه وصفها بالنكث " لعلهم ينتهون " متعلق بقوله " فقاتلوا أئمة الكفر " أي ليكن غرضكم في مقاتلتهم بعد ما وجد منهم ما وجد من العظائم أن تكون المقاتلة سببا في انتهائهم عما هم عليه . وهذا من غاية كرمه وفضله وعوده على المسيء بالرحمة كلما عاد . فإن قلت : كيف لفظ أئمة ؟ قلت : همزة بعدها همزة بين بين أي : بين مخرج الهمزة والياء وتحقيق الهمزتين قراءة مشهورة وإن لم تكن بمقبولة عند البصريين . وأما التصريح بالياء فليس بقراءة . ولا يجوز أن تكون قراءة . ومن صرح بها فهو لاحن محرف .
" ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانكم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم والله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين " .
" ألا تقاتلون " دخلت الهمزة على " لا تقاتلون " تقريرا بانتفاء المقاتلة . ومعناه : الحض عليها على سبيل المبالغة " نكثوا أيمانكم " التي حلفوها في المعاهدة " وهموا بإخراج الرسول " من مكة حين تشاوروا في أمره بدار الندوة حتى أذن الله تعالى له في الهجرة فخرج بنفسه " وهم بدءوكم أول مرة " أي : وهم الذين كانت منهم البداءة بالمقاتلة لأن رسول الله A جاءهم أولا بالكتاب المنير وتحداهم به فعدلوا عن المعارضة لعجزهم عنها إلى القتال فهم البادءون بالقتال والبادئ أظلم فما يمنعكم من أن تقاتلوهم بمثله وأن تصدموهم بالشر كما صدموكم ؟ وبخهم بترك مقاتلتهم وحضهم عليها ثم وصفهم بما يوجب الحض عليها . ويقرر أن من كان في مثل صفاتهم من نكث العهد وإخراج الرسول والبدء بالقتال من غير موجب حقيق بأن لا تترك مصادمته وأن يوبخ من فرط فيها " أتخشونهم " تقرير بالخشية منهم وتوبيخ عليها " والله أحق أن تخشوه " فتقاتلوا أعداءه " إن كنتم مؤمنين " يعني أن قضية الإيمان الصحيح أن لا يخشى المؤمن إلا ربه ولا يبالي بمن سواه كقوله تعالى : " ولا يخشون أحدا إلا الله الأحزاب : 39 .
" قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم "