" أحد " مرتفع بفعل الشرط مضمرا يفسره الظاهر تقديره : وإن استجارك أحد استجارك ولا يرتفع بالابتداء لأن إن من عوامل الفعل لا تدخل على غيره . والمعنى : وإن جاءك أحد من المشركين بعد انقضاء الأشهر لا عهد بينك وبينه ولا ميثاق فاستأمنك ليسمع ما تدعو إليه من التوحيد والقرآن وتبين ما بعثت له فأمنه " حتى يسمع كلام الله " ويتدبره ويطلع على حقيقة الأمر " ثم أبلغه " بعد ذلك داره التي يأمن فيها إن لم يسلم . ثم قاتله إن شئت من غير غدر ولا خيانة وهذا الحكم ثابت في كل وقت . وعن الحسن Bه : هي محكمة إلى يوم القيامة . وعن سعيد بن جبير : جاء رجل من المشركين إلى علي Bه فقال : إن أراد الرجل منا أن يأتي محمدا بعد انقضاء هذا الأجل يسمع كلام الله أو يأتيه لحاجة قتل ؟ قال : لا لأن الله تعالى يقول : " وإن أحد من المشركين استجارك " الآية . وعن السدي والضحاك Bهما : هي منسوخة بقوله تعالى : " فاقتلوا المشركين " التوبة : 5 ، " ذلك " أي ذلك الأمر يعني الأمر بالإجارة في قوله : " فأجره " . " ب " سبب " أنهم " قوم جهلة " لا يسمعون " ما الإسلام وما حقيقة ما تدعو إليه فلا بد من إعطائهم الأمان حتى يسمعوا ويفهموا الحق .
" كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين كيف وإن يظهروا عليكم لا يراقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون " .
" كيف " استفهام في معنى الاستنكار والاستبعاد لأن يكون للمشركين عهد عند رسول الله A وهم أضداد وغرة صدورهم يعني : محال أن يثبت لهؤلاء عهد فلا تطمعوا في ذلك ولا تحدثوا به نفوسكم ولا تفكروا في قتلهم . ثم استدرك ذلك بقوله : " إلا الذين عاهدتم " أي ولكن الذين عاهدتم منهم " عند المسجد الحرام " ولم يظهر منهم نكث كبني كنانة وبني ضمرة فتربصوا أمرهم ولا تقاتلوهم " فما استقاموا لكم " على العهد " فاستقيموا لهم " على مثله " إن الله يحب المتقين " يعني أن التربص بهم من أعمال المتقين " كيف " تكرار لاستبعاد ثبات المشركين على العهد وحذف الفعل لكونه معلوما كما قال : .
وخبرتماني أن الموت بالقرى ... فكيف وهاتا هضبة وقليب .
يريد : فكيف مات . أي : كيف يكون لهم عهد وحالهم أنهم " إن يظهروا عليكم " بعد ما سبق لهم من تأكيد الأيمان والمواثيق لم ينظروا في حلف ولا عهد ولم يبقوا عليكم " لا يرقبوا فيكم إلا " لا يراعوا حلفا . وقيل : قرابة . وأنشد لحسان Bه : .
لعمرك إن إلك من قريش ... كإل السقب من رأل النعام .
وقيل : لا إلها وقرئ : إيلا بمعناه وقيل : جبرئيل وجبرئل من ذلك . وقيل : منه اشتق الآل بمعنى القرابة كما اشتقت الرحم من الرحمن والوجه إن اشتقاق الإل بمعنى الحلف لأنهم إذا تماسحوا وتحالفوا رفعوا به أصواتهم وشهروه من الأل وهو الجؤار وله أليل : أي أنين يرفع به صوته . ودعت ألليها : إذا ولولت ثم قيل لكل عهد وميثاق : إل . وسميت به القرابة لأن القرابة عقدت بين الرجلين ما لا يعقده الميثاق " يرضوكم " كلام مبتدأ في وصف حالهم من مخالفة الظاهر الباطن مقرر لاستبعاد الثبات منهم على العهد . وإباء القلوب مخالفة ما فيها من الأضغان لما يجرونه على ألسنتهم من الكلام الجميل " وأكثرهم فاسقون " متمردون خلعاء لا مروءة تزعهم ولا شمائل مرضية تردعهم كما يوجد ذلك في بعض الكفرة من التفادي عن الكذب والنكث والتعفف عما يثلم العرض ويجز أحدوثة السوء .
" اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون " .
" اشتروا " استبدلوا " بآيات الله " بالقرآن والإسلام " ثمنا قليلا " وهو اتباع الأهواء والشهوات " فصدوا عن سبيله " فعدلوا عنه أو صرفوا غيرهم . وقيل : هم الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان وأطعمهم " هم المعتدون " المجاوزون الغاية في الظلم والشرارة .
" فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون "