حذرهم بالنهي عن التنازع واختلاف الرأي نحو ما وقع لهم بأحد لمخالفتهم رسول الله A . من فشلهم وذهاب ريحهم " كالذين خرجوا من ديارهم " هم أهل مكة حين خرجوا لحماية العير فأتاهم رسول أبي سفيان وهم بالجحفة : أن ارجعوا فقد سلمت عيركم فأبى أبو جهل وقال : حتى نقدم بدرا نشرب بها الخمور وتعزف علينا القيان ونطعم بها من حضرنا من العرب . فذلك بطرهم ورئاؤهم الناس بإطعامهم فوافوها فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمر وناحت عليهم النوائح مكان القيان فنهاهم أن يكونوا مثلهم بطرين طربين مرائين بأعمالهم وأن يكونوا من أهل التقوى والكآبة والحزن من خشية الله D مخلصين أعمالهم لله .
" وإذ زين الشيطان لهم أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب " .
" و " اذكر " إذ زين لهم الشيطان أعمالهم " التي عملوها في معاداة رسول الله A ووسوس إليهم أنهما لا يغلبون ولا يطاقون وأوهمهم أن اتباع خطوات الشيطان وطاعته مما يجيرهم فلما تلاقى الفريقان نكص الشيطان وتبرأ منهم أي بطل كيده حين نزلت جنود الله وكذا عن الحسن C : كان ذلك على سبيل الوسوسة ولم يتمثل لهم . وقيل : ما اجتمعت قريش على السير ذكرت الذي بينها وبين بني كنانة من الحرب فكان ذلك يثنيهم فتمثل لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الشاعر الكناني وكان من أشرافهم في جند من الشياطين معه راية وقال : لا غالب لكم اليوم وإني مجيركم من بني كنانة . فلما رأى الملائكة تنزل نكص وقيل : كانت يده في يد الحارث بن هشام فلما نكص قال له الحارث : إلى أين ؟ أتخذلنا في هذه الحال ؟ فقال : إني أرى ما لا ترون ودفع في صدر الحارث وانطلق وانهزموا فلما بلغوا مكة قالوا : هزم الناس سراقة فبلغ ذلك سراقة فقال : والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم فلما أسلموا علموا أنه الشيطان . وفي الحديث : " وما رؤي إبليس يوما أصغر ولا أدحر ولا أغيظ من يوم عرفة لما يرى من نزول الرحمة إلا ما رؤي يوم بدر " . فإن قلت : هلا قيل لا غالبا لكم كما يقال : لا ضاربا زيدا عندنا ؟ قلت : لو كان لكم مفعولا لغالب بمعنى : لا غالبا إياكم لكان الأمر كما قلت ؟ لكنه خبر تقديره : لا غالب كائن لكم .
" إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم " .
" إذ يقول المنافقون " بالمدينة " والذين في قلوبهم مرض " يجوز أن يكون من صفه المنافقين وأن يراد الذين هم على حرف ليسوا بثابتي الأقدام في الإسلام . وعن الحسن : هم المشركون " غر هؤلاء دينهم " يعنون أن المسلمين اغتروا بدينهم وأنهم يتقوون به وينصرون من أجله فخرجوا وهم ثلاثمائة وبضعة عشر إلى زهاء ألف ثم قال جوابا لهم " ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز " غالب يسلط القليل الضعيف على الكثير القوي .
" ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذاقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد "