" إذ يريكم الله " نصبه بإضمار اذكر . أو هو بدل ثان من يوم الفرقان أو متعلق بقوله " لسميع عليم " أي يعلم المصالح إذ يقللهم في عينك " في منامك " في رؤياك . وذلك أن الله D أراه في رؤياه قليلا فأخبر بذلك أصحابه فكان تثبيتا لهم وتشجيعا على عدوهم . وعن الحسن : في منامك في عينك لأنها مكان النوم كما قيل للقطيفة : المنامة لأنه ينام فيها . وهذا تفسير فيه تعسف وما أحسب الرواية صحيحة فيه عن الحسن وما يلائم علمه بكلام العرب وفصاحته " لفشلتم " لجبنتم وهبتم الإقدام " لتنازعتم " في الرأي وتفرقت فيما تصنعون كلمتكم وترجحتم بين الثبات والفرار " ولكن الله سلم " أي عصم وأنعم بالسلامة من الفشل والتنازع والاختلاف " إنه عليم بذات الصدور " يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجبن والصبر والجزع .
" وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور " .
" وإذ يريكموهم " الضميران مفعولان . يعني : وإذ يبصركم إياهم . و " قليلا " نصب على الحال وإنما قللهم في أعينهم تصديقا لرؤية رسول الله A وليعاينوا ما أخبرهم به فيزداد يقينهم ويجدوا ويثبتوا . قال ابن مسعود رضي الله عنه : لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين ؟ قال : أراهم مائة فأسرنا رجلا منهم فقلنا له : كم كنتم ؟ قال : ألفا " ويقللكم في أعينهم " حتى قال قائل منهم : إنما هم أكلة جزور . فإن قلت : الغرض في تقليل الكفار في أعين المؤمنين ظاهر فما الغرض في تقليل المؤمنين في أعينهم ؟ قلت : قد قللهم في أعينهم قبل اللقاء ثم كثرهم فيها بعده ليجترؤا عليهم قلة مبالاة بهم ثم تفجؤهم الكثرة فيبهتوا ويهابوا وتفل شوكتهم حين يرون ما لم يكن في حسابهم وتقديرهم وذلك قوله : " يرونهم مثليهم رأي العين " آل عمران : 13 ، ولئلا يستعدوا لهم وليعظم الاحتجاج عليهم باستيضاح الآية البينة من قلتهم أولا وكثرتهم آخرا . فإن قلت : بأي طريق يبصرون الكثير قليلا ؟ قلت بأن يستر الله عنهم بعضه بساتر أو يحدث في عيونهم ما يستقلون به الكثير كما أحدث في أعين الحول ما يرون به الواحد اثنين . قيل لبعضهم : إن الأحول يرى الواحد اثنين وكان بين يديه ديك واحد فقال : مالي لا أرى هذين الديكين أربعة ؟ " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين " .
" إذا لقيتم فئة " إذا حاربتم جماعة من الكفار وترك أن يصفها لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار . واللقاء اسم للقتال غالب " فاثبتوا " لقتالهم ولا تفروا " واذكروا الله كثيرا " في مواطن الحرب مستظهرين بذكره مستنصرين به داعين له على عدوكم : اللهم اخذلهم اللهم اقطع دابرهم " لعلكم تفلحون " لعلكم تظفرون بمرادكم من النصرة والمثوبة . وفيه إشعار بأن على العبد أن لا يفتر عن ذكر ربه أشغل ما يكون قلبا وأكثر ما يكون هما وأن تكون نفسه مجتمعة لذلك وإن كانت متوزعة عن غيره . وناهيك بما في خطب أمير المؤمنين عليه السلام في أيام صفين وفي مشاهده مع البغاة والخوارج من البلاغة والبيان ولطائف المعاني وبليغات المواعظ والنصائح دليلا على أنهم كانوا لا يشغلهم عن ذكر الله شاغل وإن تفاقم الأمر " ولا تنازعوا " قرئ بتشديد التاء " فتفشلوا " منصوب بإضمار أن أو مجزوم لدخوله في حكم النهي وتدل على التقديرين قراءة من قرأ : وتذهب ريحكم بالتاء والنصب وقراءة من قرأ : ويذهب ريحكم بالياء والجزم والريح : الدولة شبهت في نفوذ أمرها وتمشيه بالريح وهبوبها فقيل : هبت رياح فلان إذا دالت له الدولة ونفذ أمره . ومنه قوله : .
يا صاحبي ألا لاحي بالوادي ... إلا عبيد قعود بين أذواد .
أتنظران قليلا ريث غفلتهم ... أم تعدون فإن الريح للعادي .
وقيل : لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تعالى . وفي الحديث : نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور .
" ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط "