" إذ يغشيكم " بدل ثان من " إذ يعدكم " الأنفال : 7 ، أو منصوب بالنصر أو بما في أمن عند الله الأنفال : 10 ، من معنى الفعل أو بما جعله الله أو بإضمار اذكر . وقرئ يغشيكم بالتخفيف والتشديد ونصب النعاس والضمير لله عز وجل . و " أمنة " مفعول له . فإن قلت : أما وجب أن يكون فاعل الفعل المعلل والعلة واحدا ؟ قلت : بلى ولكن لما كان معنى يغشاكم النعاس . تنعسون انتصب أمنة على أن النعاس والأمنة لهم . والمعنى : إذ تنعسون أمنة بمعنى أمنا أي لأمنكم و " منه " صفة لها : أي أمنة حاصلة لكم من الله عز وجل . فإن قلت : فعلى غير هذه القراءة قلت : يجوز أن تكون الأمنة بمعنى الإيمان أي ينعسكم إيمانا منه . أو على يغشيكم النعاس فتنعسون أمنا فإن قلت : هل يجوز أن ينتصب على أن الأمنة للنعاس الذي هو فاعل يغشاكم ؟ أي يغشاكم النعاس لأمنه على أن إسناد الأمن إلى النعاس إسناد مجازي وهو لأصحاب النعاس على الحقيقة أو على أنه أنامكم في وقت كان من حق النعاس في مثل ذلك الوقت المخوف أن لا يقدم على غشيانكم ؟ وإنما غشيكم أمنة حاصلة من الله لولاها لم يغشكم على طريقة التمثيل والتخييل ؟ قلت : لا تبعد فصاحة القرآن عن احتماله وله فيه نظائر وقد ألم به من قال : .
يهاب النوم أن يغشى عيونا ... تهابك فهو نفار شرود .
وقرئ أمنة بسكون الميم . ونظير أمن أمنة حيي حياة ونحو أمن أمنة رحم رحمة والمعنى : أن ما كان بهم من الخوف كأن يمنعهم من النوم فلما طمأن الله قلوبهم وأمنهم رقدوا وعن ابن عباس رضي الله عنه : النعاس في القتال : أمنة من الله وفي الصلاة : وسوسة من الشيطان " وينزل " قرئ بالتخفيف والتثقيل . وقرأ الشعبي ما ليطهركم به قال ابن جني : ما موصولة وصلتها حرف الجر بما جره فكأنه قال : ما للطهور . و " جزر الشيطان " وسوسته إليهم وتخويفه إياهم من العطش . وقيل : الجنابة لأنها من تخييله . وقرئ رجس الشيطان وذلك أن إبليس تمثل لهم وكان المشركين قد سبقوهم إلى الماء ونزل المسلمون في كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام على غير ماء وناموا فاحتلم أكثرهم فقال لهم : أنتم يا أصحاب محمد تزعمون أنكم على الحق وأنكم تصلون على غير وضوء وعلى الجنابة وقد عطشتم ولو كنتم على حق ما غلبكم هؤلاء على الماء وما ينتظرون بكم إلا أن يجهدكم العطش فإذا قطع العطش أعناقكم مشوا إليكم فقتلوا من أحبوا وساقوا بقيتكم إلى مكة فحزنوا حزنا شديدا وأشفقوا فأنزل الله D المطر فمطروا ليلا حتى جرى الوادي واتخذ رسول الله A وأصحابه الحياض على عدوة الوادي وسقوا الركاب واغتسلوا وتوضؤوا وتلبد الرمل الذي كان بينهم وبين العدو حتى ثبتت عليه الأقدام وزالت وسوسة الشيطان وطابت النفوس . والضمير في " به " للماء . ويجوز أن يكون للربط لأن القلب إذا تمكن فيه الصبر والجراءة ثبتت القدم في مواطن القتال .
" إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان " .
" إذ يوحي " يجوز أن يكون بدلا ثالثا من " إذ يعدكم " الأنفال : 7 ، وأن ينتصب بيثبت " إني معكم " مفعول يوحي وقرئ إني بالكسر على إرادة القول أو على إجراء يوحي مجرى يقول كقوله : " أني ممدكم " الأنفال : 9 ، والمعنى : أني معينكم على التثبيت فثبتوهم . وقوله : " سألقي... فاضربوا " يجوز أن يكون تفسيرا لقوله : " أني معكم فثبتوا " ولا معونة أعظم من إلقاء الرعب في قلوب الكفرة ولا تثبيت أبلغ من ضرب أعناقهم . واجتماعهما غاية النصرة . ويجوز أن يكون غير تفسير وأن يراد بالتثبيت أن يخطروا ببالهم ما تقوى به قلوبهم وتصح عزائمهم ونياتهم في القتال وأن يظهروا ما يتيقنون به أنهم ممدون بالملائكة . وقيل : كان الملك يتشبه بالرجل الذي يعرفون وجهه فيأتي فيقول : إني سمعت المشركين يقولون : والله لئن حملوا علينا لننكشفن ويمشي بين الصفين فيقول : أبشروا فإن الله ناصركم لأنكم تعبدونه . وهؤلاء لا يعبدونه . وقرئ الرعب بالتثقيل " فوق الأعناق " أراد أعالي الأعناق التي هي المذابح لأنها مفاصل فكان إيقاع الضرب فيها حزا وتطييرا للرؤوس . وقيل : أراد الرؤوس لأنها فوق الأعناق يعني ضرب الهام . قال : .
وأضرب هامة البطل المشيح