ومنه : درج الصبي إذا قارب بين خطاه . وأدرج الكتاب : طواه شيئا بعد شيء . ودرج القوم : مات بعضهم في أثر بعض . ومعنى " سنستدرجهم " نستدنيهم قليلا قليلا إلى ما يهلكهم ويضاعف عقابهم " من حيث لا يعلمون " ما يراد بهم وذلك أن يواتر الله نعمه عليهم مع انهماكهم في الغي . فكلما جدد عليهم نعمة ازدادوا بطرا وجددوا معصية فيتدرجون في المعاصي بسبب ترادف النعم ظانين أن مواترة النعم أثرة من الله وتقريب وإنما هي خذلان منه وتبعيد فهو استدراج الله تعالى نعوذ بالله منه " وأملي لهم " عطف على " سنستدرجهم " وهو داخل في حكم السين " إن كيدي مكين " سماه كيدا لأنه شبيه بالكيد من حيث أنه في الظاهر إحسان وفي الحقيقة خذلان " وما بصاحبهم " بمحمد A " من جنة " من جنون وكانوا يقولون شاعر مجنون . وعن قتادة : أن النبي A علا الصفا فدعاهم فخذا فخذا يحذرهم بأس الله فقال : إن صاحبكم هذا لمجنون بات يصوت إلى الصباح " ألم ينظروا " نظر استدلال " في ملكوت السموات والأرض " فيما تدلان عليه من عظم الملك . والملكوت : الملك العظيم " وما خلق الله من شيء " وفيما خلق الله مما يقع عليه اسم الشيء ومن أجناس لا يحصرها العدد ولا يحيط بها الوصف " وأن عسى " أن مخففة من الثقيلة والأصل : أنه عسى على أن الضمير ضمير الشأن . والمعنى : أو لم ينظروا في أن الشأن والحديث عسى " أن يكون قد اقترب أجلهم " ولعلهم يموتون عما قريب فيسارعوا إلى النظر وطلب الحق وما ينجيهم . قبل مغافصة الأجل وحلول العقاب ويجوز أن يراد باقتراب الأجل : اقتراب الساعة ويكون من كان التي فيها ضمير الشأن . فإن قلت : بم يتعلق قوله : " فبأي حديث بعده يؤمنون " قلت : بقوله : " عسى أن يكون قد اقترب أجلهم " كأنه قيل : لعل أجلهم قد اقترب فما لهم لا يبادرون إلى الإيمان بالقرآن قبل الفوت وماذا ينتظرون بعد وضوح الحق وبأي حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا .
" من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون " .
قرئ : ويذرهم بالياء والنون والرفع على الاستئناف ويذرهم بالياء والجزم عطفا على محل " فلا هادي له " كأنه قيل : من يضلل الله لا يهده أحد ويذرهم .
" يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون " .
" يسألونك " قيل : إن قوما من اليهود قالوا : يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا فإنا نعلم متى هي وكان ذلك امتحانا منهم مع علمهم أن الله تعالى قد استأثر بعلمها . وقيل : السائلون قريش . و " الساعة " من الأسماء الغالبة كالنجم للثريا . وسميت القيامة بالساعة لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها أو على العكس لطولها أو لأنها عند الله على طولها كساعة من الساعات عند الخلق . " أيان " بمعنى متى . وقيل اشتقاقه من أي فعلان منه لأن معناه أي وقت وأي فعل من أويت إليه لأن البعض آو إلى الكل متساند إليه قاله ابن جني وأبى أن يكون من " أين " لأنه زمان " وأين " مكان . وقرأ السلمي " إيان " بكسر الهمزة " مرساها " إرساؤها أو وقت إرسائها أي إثباتها وإقرارها . وكل شيء ثقيل رسوه ثباته واستقراره . ومنه رسي الجبل وأرسي السفينة . والمرسى : الأنجر الذي ترسى به ولا أثقل من الساعة بدليل قوله " ثقلت في السموات والأرض " والمعنى حتى يرسيها الله " إنما علمها " أي علم وقت إرسائها عنده قد استأثر به ولم يخبر به أحدا من ملك مقرب ولا نبي مرسل يكاد يخفيها من نفسه ليكون ذلك أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية كما أخفى الأجل الخاص وهو وقت الموت لذلك " لا يجليها لوقتها إلا هو " أي لا تزال خفية لا يظهر أمرها ولا يكشف خفاء علمها إلا هو وحده إذا جاء بها في وقتها بغتة لا جليها بالخبر عنها قبل مجيئها أحد من خلقه لاستمرار الخفاء بها على غيره إلى وقت وقوعها " ثقلت في السموات والأرض " أي كل من أهلها من الملائكة والثقلين أهمه شأن الساعة وبوده أن يتجلى له علمها وشق عليه خفاؤها وثقل عليه . أو ثقلت فيها لأن أهلها يتوقعونها ويخافون شدائدها وأهوالها . أو لأن كل شيء لا يطيقها ولا يقوم لها فهي ثقيلة فيها " إلا بغتة " إلا فجأة على غفلة منكم . وعن النبي A :