" كثيرا من الجن والإنس " هم المطبوع على قلوبهم الذين علم الله أنه لا لطف لهم . وجعلهم في أنهم لا يلقون أذهانهم إلى معرفة الحق ولا ينظرون بأعينهم إلى ما خلق الله نظرا اعتبار ولا يسمعون ما يتلى عليهم من آيات الله سماع تدبر كأنهم عدموا فهم القلوب وإبصار العيون واستماع الآذان . وجعلهم لإعراقهم في الكفر وشدة شكائمهم فيه وأنه لا يأتي منهم إلا أفعال أهل النار مخلوقين للنار دلالة على توغلهم في موجبات وتمكنهم فيما يؤهلهم لدخول النار ومنه كتاب عمر Bه إلى خالد بن الوليد : بلغني أن أهل الشام اتخذوا لك دلوكا عجن بخمر وإني لأظنكم آل المغيرة ذرء النار . ويقال لمن كان عريقا في بعض الأمور : ما خلق فلان إلا لكذا . والمراد وصف حال مود في عظم ما أقدموا عليه من تكذيب رسول الله A مع علمهم أنه النبي الموعود . وإنهم من جملة الكثير الذين لا يكاد الإيمان يتأتى منهم كأنهم خلقوا للنار " أولئك " في عدم الفقه والنظر للاعتبار والاستماع للتدبر " بل هم أضل " من الأنعام عن الفقه والاعتبار والتدبر " أولئك هم الغافلون " الكاملون في الغفلة . وقيل : الأنعام تبصر منافعها ومضارها فتلزم بعض ما تبصره وهؤلاء أكثرهم يعلم أنه معاند فيقدم على النار .
" ولله الأسماء الحسنى فادعوا بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون بما كانوا يعملون " .
" ولله الأسماء الحسنى " التي هي أحسن الأسماء لأنها تدل على معان حسنة من تمجيد وتقديس وغير ذلك " فادعوا بها " فسموه بتلك الأسماء " وذروا الذين يلحدون في أسمائه " واتركوا تسمية الذين يميلون عن الحق والصواب فيها فيسمونه لغير الأسماء الحسنى وذلك أن يسموه بما لا يجوز عليه كما سمعنا البدو يقولون بجهلهم : يا أبا المكارم يا أبيض الوجه يا نخي أو أن يأبوا تسميته ببعض أسمائه الحسنى . نحو أن يقولوا : يا ألله ولا يقولوا : يا رحمن وقد قال الله تعالى : " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى " الإسراء : 110 ، ويجوز أن يراد : ولله الأوصاف الحسنى وهي الوصف بالعدل والخير والإحسان وانتفاء شبه الخلق فصفوه بها وذروا الذين يلحدون في أوصافه فيصفونه بمشيئة القبائح وخلق الفحشاء والمنكر وبما يدخل في التشبيه كالرؤية ونحوها وقيل : إلحادهم في أسمائه : تسميتهم الأصنام آلهة واشتقاقهم اللات من الله والعزى من العزيز .
" وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون " .
لما قال : " ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا " الأعراف : 179 ، فأخبر أن كثيرا من الثقلين عاملون بأعمال أهل النار أتبعه قوله : " وممن خلقنا أمة يهدون بالحق " وعن النبي A : أنه كان يقول إذا قرأها : " هذه لكم " وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها " ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق " الأعراف : 159 ، وعنه A : " إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى عليه السلام وعن الكلبي : هم الذين آمنوا من أهل الكتاب . وقيل : هم العلماء والدعاة إلى الدين .
" والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون " .
الاستدراج : استفعال من الدرجة بمعنى الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة . قال الأعشى : .
فلو كنت في جب ثمانين قامة ... ورقيت أسباب السماء بسلم .
ليستدرجنك القول حتى تهره ... وتعلم أني عنكم غير مفحم