سبقك بها عكاشة " من أحد من العالمين " من الأولى زائدة لتوكيد النفي وإفادة معنى الاستغراق والثانية للتبعيض . فإن قلت : ما موقع هذه الجملة ؟ قلت : هي جملة مستأنفة أنكر عليهم أولا بقوله : " أتأتون الفاحشة " ثم وبخهم عليها فقال : أنتم أول من عملها . أو على أنه جواب لسؤال مقدر كأنهم قالوا : لما لا نأتيها ؟ فقال : ما سبقكم بها أحد فلا تفعلوا ما لم تسبقوا به " إنكم لتأتون الرجال " بيان لقوله : أتأتون الفاحشة . والهمزة مثلها في " أتأتون " للإنكار والتعظيم . وقرئ : إنكم على الإخبار المستأنف لتأتون الرجال من أتى المرأة إذا غشيها " شهوة " مفعول له أي للاشتهاء لا حامل لكم عليه إلا مجرد الشهوة من غير داع آخر ولا ذم أعظم منه لأنه وصف لهم بالبهيمية وأنه لا داعي لهم من جهة العقل البتة كطلب النسل ونحوه أو حال بمعنى مشتهين تابعين للشهوة غير ملتفتين إلى السماجة " بل أنتم قوم مسرفون " أضرب عن الإنكار إلى الإخبار عنهم بالحال التي توجب ارتكاب القبائح وتدعو إلى اتباع الشهوات وهو أنهم قوم عادتهم الإسراف وتجاوز الحدود في كل شيء فمن ثم أسرفوا في باب قضاء الشهوة حتى تجاوزوا المعتاد إلى غير المعتاد . ونحوه " بل أنتم قوم عادون " الشعراء : 166 ، . " ما كان جواب قومه إلا أن قالوا " يعني ما أجابوه بما يكون جوابا عما كلمهم به لوط عليه السلام من إنكار الفاحشة وتعظيم أمرها ووسمهم بسمة الإسراف الذي هو أصل الشر كله لكنهم جاءوا بشيء آخر لا يتعلق بكلامه ونصيحته من الأمر بإخراجه ومن معه من المؤمنين من قريتهم ضجرا بهم وبما يسمعونهم من وعظهم ونصحهم . وقولهم : " إنهم أناس يتطهرون " سخرية بهم وبتطهرهم من الفواحش وافتخارا بما كانوا فيه من القذارة كما يقول الشطار من الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظهم : أبعدوا عنا هذا المتقشف وأريحونا من هذا المتزهد " وأهله " ومن يختص به من ذويه أو من المؤمنين " من الغابرين " من الذين غبروا في ديارهم أي بقوا فهلكوا . والتذكير لتغليب الذكور على الإناث . وكانت كافرة موالية لأهل سدوم . وروي : أنها التفتت فأصابها حجر فماتت . وقيل : كانت المؤتفكة خمس مدائن . وقيل : كانوا أربعة آلاف بين الشام والمدينة فأمطر الله عليهم الكبريت والنار . وقيل : خسف بالمقيمين منهم وأمطرت الحجارة على مسافريهم وشذاذهم . وقيل : أمطر عليهم ثم خسف بهم . وروي : أن تاجرا منهم كان في والحرم فوقف له الحجر أربعين يوما حتى قضى تجارته وخرج من الحرم فوقع عليه . فإن قلت : أي فرق بين مطر وأمطر ؟ قلت : يقال مطرتهم السماء وواد ممطور . وفي نوابغ الكلم : حرى غير ممطور . وحرى أن يكون غير ممطور ومعنى مطرتهم : أصابتهم المطر كقولهم : غاثتهم ووبلتهم وجادتهم ورهمتهم . ويقال : أمطرت عليهم كذا بمعنى أرسلته عليهم إرسال المطر " فأمطر علينا حجارة عن السماء " الأنفال : 32 ، " وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل " هود : 82 ، . ومعنى " وأمطرنا عليهم مطرا " وأرسلنا عليهم نوعا من المطر عجيبا يعني الحجارة . ألا ترى إلى قوله : " فساء مطر المنذرين " النمل : 58 .
" وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم واذكروا كيف كان عاقبة المفسدين وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين "