" فصلناه على علم " عالمين كيف نفصل أحكامه ومواعظه وقصصه وسائر معانيه حتى جاء حكيما قيما غير ذي عوج قرأ ابن محيصن فضلتاه بالضاد المعجمة بمعنى فضلناه على جميع الكتب عالمين أنه أهل للتفضيل عليها و " هدى ورحمة " حال من منصوب فصلناه كما أن على علم حال من مرفوعه " إلا تأويله " إلا عاقبة أمره وما يؤول إليه من تبين صدقه وظهور صحة ما نطق به من الوعد والوعيد " قد جاءت رسل ربنا بالحق " أي تبين وصح أنهم جاءوا بالحق " نرد " جملة معطوفة على الجملة التي قبلها داخلة معها في حكم الاستفهام كأنه قيل : هل لنا من شفعاء ؟ أو هل نرد ؟ ورافعه وقوعه موقعا يصلح للاسم كما تقول ابتداء : هل يضرب زيد ؟ ولا يطلب له فعل آخر يعطف عليه . فلا يقدر : هل يشفع لنا شافع أو نرد ؟ وقرأ ابن أبي إسحاق : أو نرد بالنصب عطفا على فيشفعوا لنا أو تكون أو بمعنى حتى أن أي يشفعوا لنا حتى نرد فنعمل وقرأ الحسن بنصب نرد ورفع " فنعمل " بمعنى : فنحن نعمل .
" إن ربكم الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل والنهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين " .
" يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا " وقرئ : " يغشى بالتشديد أي يلحق الليل النهار والنهار بالليل يحتملهما جميعا . والدليل على الثاني قراءة حميد بن قيس : يغشى الليل النهار بفتح الياء ونصب الليل ورفع النهار أي يدرك النهار الليل ويطلبه حثيثا حسن الملاءمة لقراءة حميد " بأمره " بمشيئته وتصريفه وهو متعلق بمسخرات أي خلقهن جاريات بمقتضى حكمته وتدبيره وكما يريد أن يصرفها سمي ذلك أمرا على التشبيه كأنهن مأمورات بذلك . وقرئ : " والشمس والقمر والنجوم مسخرات " بالرفع . لما ذكر أنه خلقهن مسخرات بأمره قال : " ألا له الخلق والأمر " أي هو الذي خلق الأشياء كلها وهو الذي صرفها على حسب إرادته .
" ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين وهو الذي يرسل الريح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون والبلد الطيب يخرج نباته بإذن الله والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون " .
" تضرعا وخفية " نصب على الحال أي ذوي تضرع وخفية . وكذلك خوفا وطمعا . والتضرع تفعل من الضراعة وهو الذل أي تذللا وتملقا . وقرئ : وخفية وعن الحسن Bه : إن الله يعلم القلب التقي والدعاء الخفي إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به جاره وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير ولا يشعر الناس به وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة وعنده الزوار وما يشعرون به ولقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدا . ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم . وذلك أن الله تعالى يقول : " أدعو ربكم تضرعا وخفية " وقد أثنى على زكريا فقال : " إذ نادى ربه نداء خفيا " مريم : 3 ، وبين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا . " إنه لا يحب المعتدين " أي المجاوزين ما أمروا به في كل شيء من الدعاء وغيره . وعن ابن جريج : هو رفع الصوت بالدعاء . وعنه : الصياح في الدعاء مكروه وبدعة . وقيل : هو الإسهاب في الدعاء . وعن النبي A :