" وبينهما حجاب " يعني بين الجنة والنار . أو بين الفريقين وهو السور المذكور في قوله تعالى : " فضرب بينهم بسور " الحديد : 13 ، " وعلى الأعراف " وعلى أعراف الحجاب وهو السور المضروب بين الجنة والنار وهي أعاليه جمع عرف استعير من عرف الفرس وعرف الديك " رجال " من المسلمين من آخرهم دخولا في الجنة لقصور أعمالهم كأنهم المرجون لأمر الله يحبسون بين الجنة والنار إلى أن يأذن الله لهم في دخول الجنة " يغرفون كلا " من زمر السعداء والأشقياء " بسيماهم " بعلامتهم التي أعلمهم الله تعالى بها يلهمهم الله ذلك : أو تعرفهم الملائكة .
" وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جميعكم وما كنتم تستكبرون أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمته ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون " .
إذا نظروا إلى أصحاب الجنة نادوهم بالتسليم عليهم " وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار " ورأوا ما هم فيه من العذاب استعاذوا بالله وفزعوا إلى رحمته أن لا يجعلهم معهم . ونادوا رجالا من رؤوس الكفرة يقولون لهم : " أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمته " إشارة لهم إلى أهل الجنة الذين كان الرؤساء يستهينون بهم ويحتقرونهم لفقرهم وقلة حظوظهم من الدنيا وكانوا يقسمون أن الله لا يدخلهم الجنة " ادخلوا الجنة " يقال لأصحاب الأعراف ادخلوا الجنة وذلك بعد أن يحبسوا على الأعراف وينظروا إلى الفريقين ويعرفونهم بسيماهم ويقولوا ما يقولون . وفائدة ذلك بيان أن الجزاء على قدر الأعمال وأن التقدم والتأخر على حسبها وأن أحدا لا يسبق عند الله إلا بسبقه في العمل ولا يتخلف عنده إلا بتخلفه فيه وليرغب السامعون في حال السابقين ويحرصوا على إحراز قصبتهم وليتصوروا أن كل أحد يعرف ذلك اليوم بسيماه التي استوجب أن يوسم بها من أهل الخير والشر فيرتدع المسيء عن إساءته ويزيد المحسن في إحسانه . وليعلم أن العصاة يوبخهم كل أحد حتى أقصر الناس عملا . وقوله : " إذا صرفت أبصارهم " فيه أن صارفا يصرف أبصارهم لينظروا فيستعيذوا ويوبخوا وقرأ الأعمش : " وإذا قلبت أبصارهم " وقرئ : " ادخلوا الجنة " على البناء للمفعول . وقرأ عكرمة : دخلوا الجنة فإن قلت : كيف لاءم هاتين القراءتين قوله : " لا خوف عليهم ولا أنتم تحزنون " ؟ قلت : تأويله : ادخلوا أو دخلوا الجنة مقولا لهم : لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون . فإن قلت : ما محل قوله : لم يدخلوها وهم يطمعون ؟ قلت : لا محل له لأنه استئناف كأن سائلا سأل عن حال أصحاب الأعراف فقيل : لم يدخلوها وهم يطمعون يعني حالهم أن دخولهم الجنة استأخر عن دخول أهل الجنة فلم يدخلوها لكونهم محبوسين وهم يطمعون لم ييأسوا . ويجوز أن يكون له محل بأن يقع صفة لرجال " ما أغنى عنكم جميعا " المال أو كثرتكم واجتماعكم " ما كنتم تستكبرون " واستكباركم عن الحق وعلى الناس وقرئ : تستكثرون من الكثرة .
" ونادى أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون " .
" أفيضوا علينا " فيه دليل على أن الجنة فوق النار " أو مما رزقكم الله " من غيره من الأشربة لدخوله في حكم الإفاضة ويجوز أن يراد : أو ألقوا علينا مما رزقكم الله من الطعام و الفاكهة . كقوله : .
علفتها تبنا وماء باردا .
وإنما يطلبون ذلك مع يأسهم من الإجابة إليه حيرة في أمرهم كما يفعل المضطر الممتحن . " حرمهما على الكافرين " منعهم شراب الجنة وطعامها كما يمنع المكلف ما جرم عليه ويحظر كقوله : .
حرام على عيني أن تطعم الكرى .
" فاليوم ننساهم " نفعل بهم فعل الناسين الذين ينسون عبيدهم من الخير لا يذكرونهم به " كما نسوا لقاء يومهم هذا " كما فعلوا بلقائه فعل الناسين فلم يخطروه ببالهم ولم يهتموا به .
" ولقد جئناكم بكتاب فصلناه على علم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون "