إن الرجال ليسوا بجزر تراد منهم الأجسام فقيل : لا يدخلون الجنة حتى يكون ما يكون أبدا من ولوج هذا الحيوان الذي لا يلج إلا في باب واسع في ثقب الإبرة وعن ابن أنه سئل عن الجمل فقال : زوج الناقة استجهالا للسائل وإشارة إلى أن طلب معنى آخر تكلف . وقرئ في سم بالحركات الثلاث : وقرأ عبد الله : في سم المهيط " والمخيط كالحزام والمحزم : ما يخاط به وهو الإبرة " وكذلك " ومثل ذلك الجزاء الفظيع " نجزي المجرمين " ليؤذن أن الإجرام هو السبب الموصل إلى العقاب وأن كل من أجرم عوقب وقد كرره فقال : " كذلك تجزي الظالمين " لأن كل مجرم ظالم لنفسه " مهاد " فراش " غواش " أغطية . وقرئ : غواش بالرفع كقوله تعالى : " وله الجوار المنشآت " الرحمن : 24 ، في قراءة عبد الله .
" والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون " .
" لا نكلف نفسا إلا وسعها " جملة معترضة بين المبتدأ والخبر للترغيب في اكتساب ما لا يكتنهه وصف الواصف من النعيم الخالد مع التعظيم بما هو في الوسع وهو الإمكان الواسع غير الضيق من الإيمان والعمل والصالح . وقرأ الأعمش : " لا تكلف نفس .
" ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم يعملون " .
من كان في قلبه غل على أخيه في الدنيا نزع منه فسلمت قلوبهم وطهرت ولم يكن بينهم إلا التواد والتعاطف . وعن علي Bه : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزببر منهم " هدانا لهذا " أي وفقنا لموجب هذا الفوز العظيم وهو الإيمان والعمل الصالح " وما كنا لنهتدي " اللام لتوكيد النفي ويعنون : وما كان يستقيم أن نكون مهتدين لولا هداية الله وتوفيقه . وفي مصاحف أهل الشام : ما كنا لنهتدي بغير واو على أنها جملة موضحة للأولى " لقد جاءت رسلنا بالحق " فكان لنا لطفا وتنبيها على الاهتداء فاهتدينا يقولون ذلك سرورا واغتباطا بما نالوا وتلذذا بالتكلم به لا تقربا وتعبدا كما نرى من رزق خيرا في الدنيا يتكلم بنحو ذلك ولا يتمالك أن لا يقوله للفرح لا للقربة : " نودوا أن تلكم الجنة " أن مخففة من الثقيلة تقديره : ونودوا بأنه تلكم الجنة " أورثتموها " والضمير ضمير الشأن والحديث أو تكون بمعنى أي لأن المناداة من القول كأنه قيل : وقيل لهم أي تلكم الجنة أورثتموها . " بما كنتم يعملون " بسبب أعمالكم لا بالتفضل كما تقول المبطلة .
" ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون " .
أن في " أن قد وجدنا " يحتمل أن تكون مخففة من الثقيلة وأن تكون مفسرة كالتي سبقت آنفا وكذلك " أن لعنة الله على الظالمين " وإنما قالوا لهم ذلك اغتباطا بحالهم وشماتة بأصحاب النار وزيادة في غمهم لتكون حكايته لطفا لمن سمعها وكذلك قول المؤذن بينهم : لعنة الله على الظالمين . وهو ملك يأمره الله فينادي بينهم نداء يسمع أهل الجنة وأهل النار . وقرئ : أن لعنة الله بالتشديد والنصب . وقرأ الأعمش : إن لعنة الله بكسر إن على إرادة القول أو على إجراء " أذن " مجرى قال . فإن قلت : هلا قيل : ما وعدكم ربكم كما قيل : ما وعدنا ربنا ؟ قلت : حذف ذلك تخفيفا لدلالة وعدنا عليه . ولقائل أن يقول : أطلق ليتناول كل ما وعد الله من البعث والحساب والثواب والعقاب وسائر أحوال القيامة لأنهم كانوا مكذبين بذلك أجمع ولأن الموعود كله مما ساءهم وما نعيم أهل الجنة إلا عذاب لهم فأطلق لذلك .
" وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهو يطمعون "