" لا يفتننكم الشيطان " لا يمتحننكم بأن لا تدخلوا الجنة كما محن أبويكم بأن أخرجهما منها . " ينزع عنهما لباسهما " حال أي إخرجهما نازعا لباسهما بأن كان سببا في أن نزع عنهما " إنه يراكم هو " تعليل للنهي وتحذير من فتنته بأنه بمنزلة العدو المداجي يكيدكم ويغتالكم من حيث لا تشعرون . وعن مالك بن دينار : إن عدوا يراك ولا تراه لشديد المؤنة إلا من عصم الله " وقبيله " وجنوده من الشياطين وفيه دليل بين أن الجن لا يرون ولا يظهرون للإنس وأن أظهارهم أنفسهم ليس في استطاعتهم وأن زعم من يدعي رؤيتهم زور ومخرقة " إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون " أي خلينا بينهم وبينهم لم نكفهم عنهم حتى تولوهم وأطاعوهم فيما سولوا لهم من الكفر والمعاصي وهذا تحذير آخر أبلغ من الأول . فإن قلت : علام عطف وقبيله ؟ قلت : على الضمير في يراكم المؤكد بهو والضمير في أنه للشأن والحديث وقرأ اليزيدي : وقبيله بالنصب وفيه وجهان : أن يعطفه على اسم إن وأن تكون الواو بمعنى مع وإذا عطفه على اسم إن وهو الضمير في أنه كان راجعا إلى إبليس .
" وإذا ما فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليه آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولوا على الله ما لا تعلمون " .
الفاحشة : ما تبالغ في قبحه من الذنوب أي إذا فعلوها اعتذروا بأن آباءهم كانوا يفعلونها فاقتدوا بهم وبأن الله تعالى أمرهم بأن يفعلوها . وكلاهما باطل من العذر لأن أحدهما تقليد والتقليد ليس بطريق للعلم . والثاني : افتراء على الله وإلحاد في صفاته كانوا يقولون : لو كره الله منا ما نفعله لنقلنا عنه . وعن الحسن : إن الله تعالى بعث محمدا A إلى العرب وهم قدرية مجبرة يحملون ذنوبهم على الله . وتصديقه قول الله تعالى : " وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء " لأن فعل القبيح مستحيل عليه لعدم الداعي ووجود الصارف فكيف يأمر بفعله " أتقولون على الله ما لا تعلمون " إنكار لإضافتهم القبيح إليه وشهادة على أن مبنى قولهم على الجهل المفرط . وقيل : المراد بالفاحشة : طوافهم بالبيت عراة .
" قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون " .
" بالقسط " بالعدل وبما قام في النفوس أنه مستقيم حسن عند كل مميز . وقيل : بالتوحيد " وأقيموا وجوهكم " وقل : أقيموا وجوهكم أي : اقصدوا عبادته مستقيمين إليها غير عادلين إلى غيرها " عند كل مسجد " في كل وقت سجود أو في كل مكان سجود وهو الصلاة " وادعوه " واعبدوه " مخلصين له الدين " أي الطاعة مبتغين بها وجه الله خالصا " كما بدأكم تعودون " كما أنشأكم ابتداء يعيدكم احتج عليهم في إنكارهم الإعادة بابتداء الخلق والمعنى : أنه يعيدكم فيجازيكم على أعمالكم فأخلصوا له العبادة .
" فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون " .
" فريقا هدى " وهم الذين أسلموا أي وفقهم للإيمان " وفريقا حق عليهم الضلالة " أي كلمة الضلالة وعلم الله أنهم يضلون ولا يهتدون . وانتصاب قوله : " وفريقا " بفعل مضمر يفسره بعده كأنه قيل : وخذل فريقا حق عليهم الضلالة " إنهم " إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة : " اتخذوا الشيطان أولياء " أي تولوهم بالطاعة فيما أمروهم به وهذا دليل على أن علم الله لا أثر له في ضلالهم وأنهم هم الضالون باختيارهم وتوليهم الشياطين دون الله .
" يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين "