ما رأيت منه ولا رأى مني . وعن سعيد بن جبير : كان لباسهما من جنس الأظفار . وعن وهب : كان لباسهما نورا يحول بينهما وبين النظر . ويقال : طفق يفعل كذا بمعنى جعل يفعل كذا . وقرأ أبو السمال : وطفقا بالفتح " يخصفان " ورقة فوق ورقة على عوراتهما ليستترا بها كما يخصف النعل بأن تجعل طرقة على طرقة وتوثق بالسيور . وقرأ الحسن : يخصفان بكسر الخاء وتشديد الصاد وأصله يختصفان . وقرأ الزهري : " يخصفان " من أخصف وهو منقول من خصف أي يخصفان أنفسهما وقرئ : " يخصفان " من خصف بالتشديد " من ورق الجنة " قيل : كان ورق التين " ألم أنهكما " عتاب من الله تعالى وتوبيخ وتنبيه على الخطأ حيث لم يتحذرا ما حذرهما الله من عداوة إبليس وروي : أنه قال لآدم : ألم يكن لك فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة ؟ فقال : بلى وعزتك ولكن ما ظننت أن أحدا من خلقك يحلف بك كاذبا . قال : فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا كدا . فأهبط وعلم صنعة الحديد وأمر بالحرث فحرث وسقى وحصد وداس وذرى وطحن وعجن وخبز .
" قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " .
وسميا ذنبهما وإن كان صغيرا مغفورا ظلما لأنفسهما وقالا : لنكونن من الخاسرين " على عادة الأولياء والصالحين في استعظامهم الصغير من السيئات واستصغارهم العظيم من الحسنات .
" قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون " .
" اهبطوا " الخطاب لآدم وحواء وإبليس . و " بعضكم لبعض عدو " في موضع الحال أي متعادين يعاديهما إبليس ويعاديانه " مستقر " استقرار أو موضع استقرار " ومتاع إلى حين " وانتفاع بعيش إلى انقضاء آجالكم . وعن ثابت البناني : لما أهبط آدم وحفرته الوفاة أحاطت به الملائكة فجعلت حواء تدور حولهم فقال لها : خلي ملائكة ربي فإنما أصابني الذي أصابني فيك فلما توفي غسلته الملائكة بماء وسدر وترا وحنطته وكفنته في وتر من الثياب وحفروا له ولحدوا ودفنوه بسرنديب بأرض الهند وقالوا لبنيه : هذه سنتكم بعده .
" يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون " .
جعل ما في الأرض منزلا من السماء لأنه قضى ثم وكتب . ومنه " وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج " الزمر : 6 ، والريش لباس الزينة استعير من ريش الطير لأنه لباسه وزينته أي أنزلنا عليكم لباسين : لباسا يواري سوآتكم ولباسا يزينكم ؟ لأن الزينة غرض صحيح كما قال : " لتركبوها وزينة " . " ولكم فيها جمال " النحل : 6 ، وقرأ عثمان رضي الله عنه : " ورياشا " جمع ريش كشعب وشعاب " ولباس التقوى " ولباس الورع والخشية من الله تعالى وارتفاعه على الابتداء وخبره إما الجملة التي هي " ذلك خير " كأنه قيل : ولباس التقوى هو خير لأن أسماء الإشارة تقرب من الضمائر فيما يرجع إلى عود الذكر . وأما المفرد الذي هو خير وذلك صفة للمبتدأ كأنه قيل : ولباس التقوى المشار إليه جر . ولا تخلو الإشارة من أن يراد بها تعظيم لباس التقوى أو أن تكون إشارة إلى اللباس المواري للسوأة لأن مواراة السوأة من التقوى تفضيلا له على لباس الزينة . وقيل : لباس التقوى خبر مبتدأ محذوف أي وهو لباس التقوى ثم قيل : ذلك خير . وفي قراءة عبد الله وأبي : " ولباس التقوى خير " وقيل : المراد بلباس التقوى : ما يلبس من الدروع والجواشن والمغافر وغيرها مما يتقى به في الحروب وقرئ : " ولباس التقوى " بالنصب عطفا على لباسا وريشا " ذلك من آيات الله " الدالة على فضله ورحمته على عباده . يعني إنزال الباس " لعلهم يذكرون " فيعرفوا عظيم النعمة فيه وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر بدو السوآت وخصف الورق عليها إظهارا للمنة فيما خلق من اللباس ولما في العري وكشف العورة من المهانة والفضيحة وإشعارا بأن التستر باب عظيم من أبواب التقوى .
" يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون "