" لئن جاءتهم آية " من مقترحاتهم " ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله " وهو قادر عليها ولكنه لا ينزلها إلا على موجب الحكمة أو إنما الآيات عند الله لا عندي . فكيف أجيبكم إليها وآتيكم بها " وما يشعركم " وما يدريكم " أنها " أن الآية التي تقترحونها " إذا جاءت لا يؤمنون " يعني أنا أعلم أنها إذا جاءت لا يؤمنون بها وأنتم لا تدرون بذلك . وذلك أن المؤمنين كانوا يطمعون في إيمانهم إذا جاءت تلك الآية ويتمنون مجيئها . فقال D وما يدريكم أنهم لا يؤمنون على معنى أنكم لا تدرون ما سبق علمي به من أنهم لا يؤمنون به ألا ترى إلى قوله " كما لم يؤمنوا به أول مرة " وقيل : " أنها " بمعنى لعلها من قول العرب : ائت السوق أنك تشتري لحما . وقال امرؤ القيس : .
عوجا على الطلل المحيل لأننا ... نبكي الديار كما بكى ابن خذام .
وتقويها قراءة أبي لعلها إذا جاءت لا يؤمنون وقرئ بالكسر على أن الكلام قد تم قبله بمعنى : وما يشعركم ما يكون منهم ثم أخبرهم بعلمه فيهم فقال : إنها إذا جاءت لا يؤمنون البتة . ومنهم من جعل لا مزيدة في قراءة الفتح وقرئ : " وما يشعرهم أنها إذا جاءت لا يؤمنون " أي يحلفون بأنهم يؤمنون عند مجيئها . وما يشعرهم أن تكون قلوبهم حينئذ كما كانت عند نزول القرآن وغيره من الآيات مطبوعا عليها فلا يؤمنوا بها .
" ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون " .
" ونقلب أفئدتهم ...ونذرهم " عطف على يؤمنون داخل في حكم وما يشعركم بمعنى : وما يشعركم أنهم لا يؤمنون وما يشعركم أنا نقلب أفئدتهم وأبصارهم : أي نطبع على قلوبهم وأبصارهم فلا يفقهون ولا يبصرون الحق كما كانوا عند نزول آياتنا أو لا يؤمنون بها لكونهم مطبوعا على قلوبهم وما يشعركم أنا نذرهم في طغيانهم أي نخليهم وشأنهم لا نكفهم عن الطغيان حتى يعمهوا فيه . وقرئ : ويقلب ويذرهم بالياء أي الله D . وقرأ الأعمش : وتقلب أفئدتهم وأبصارهم على البناء للمفعول .
" ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون " .
" ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة " كما قالوا لولا أنزل علينا الملائكة الفرقان : 21 ، " وكلمهم الموتى " كما قالوا : " فأتوا بآبائنا " الدخان : 36 ، " وحشرنا عليهم كل شيء قبلا " كما قالوا " أو تأتي بالله والملائكة قبيلا " الإسراء : 92 ، قبلا كفلاء بصحة ما بشرنا به وأنذرنا أو جماعات . وقيل : " قبلا " مقابلة . وقرئ : قبلا أي عيانا " إلا أن يشاء الله " مشيئة إكراه واضطرار " ولكن أكثرهم يجهلون " فيقسمون بالله جهد إيمانهم على ما لا يشعرون من حال قلوبهم عند نزول الآيات . أو ولكن أكثر المسلمين يجهلون أن هؤلاء لا يؤمنون إلا أن يضطرهم فيطمعون في إيمانهم إذا جاءت الآية المقترحة .
" وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوا فذرهم وما يفترون " .
" " وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا " وكما خلينا بينك وبين أعدائك وكذلك فعلنا بمن قبلك من الأنبياء وأعدائهم لم نمنعهم من العداوة لما فيه من الامتحان الذي هو سبب ظهور الثبات والصبر وكثرة الثواب والأجر . وانتصب " الشياطين " على البدل من عدوا . أو على أنهما مفعولان كقوله " وجعلوا لله شركاء الجن " الأنعام : 100 ، " يوحى بعضهم إلى بعض " يوسوس شياطين الجن إلى شياطين الإنس . وكذلك بعض الجن إلى بعض وبعض الإنس إلى بعض . وعن مالك بن دينار : إن شيطان الإنس أشد علي من شيطان الجن لأني إذا تعوذت بالله ذهب شيطان الجن عني وشيطان الأنس يجيئني فيجزني إلى المعاصي عيانا " زخرف القول " ما يزينه من القول والوسوسة والإغراء على المعاصي ويموهه " غرورا " خدعا وأخذا على غزة " ولو شاء ربك ما فعلوه " ما فعلوا ذلك أي ما عادوك أو ما أوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول بأن يكفهم ولا يخليهم وشأنهم .
" ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوا وليقترفوا ما هم مقترفون "