" قد جاءكم بصائر من ربكم " هو وارد على لسان رسول الله A لقوله : " وما أنا عليكم بحفيظ " والبصيرة نور القلب الذي به يستبصر كما أن البصر نور العين الذي به تبصر أي جاءكم من الوحي والتنبيه على ما يجوز على الله وما لا يجوز ما هو للقلوب كالبصائر " فمن أبصر " الحق وآمن " فنفسه " أبصر وإياها نفع " ومن عمي " عنه فعل نفسه عمى وإياها ضر بالعمى " وما أنا عليكم بحفيظ " أحفظ أعمالكم وأجازيكم عليها إنما أنا منذر والله هو الحفيظ عليكم .
" وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون " .
" ويقولون " جوابه محذوف تقديره . وليقولوا درست تصرفها . ومعنى " درست " قرأت وتعلمت . وقرئ : دارست أي دارست العلماء . ودرست بمعنى قدمت هذه الآيات وعفت كما قالوا : أساطير الأولين ودرست بضم الراء مبالغة في درست أي اشتد دروسها . ودرست على البناء للمفعول بمعنى قرئت أو عفيت . ودارست . وفسروها بدارست اليهود محمدا A وجاز الإضمار لأن الشهرة بالدراسة كانت لليهود عندهم . ويجوز أن يكون الفعل للآيات وهو لأهلها أي دارس أهل الآيات وحملتها محمدا وهم أهل الكتاب . ودرس أي درس محمد . ودارسات على : هي دارسات أي قديمات . أو ذات دروس كعيشة راضية فإن قلت : أي فرق بين اللامين في " ليقولوا " " ولنبينه " ؟ قلت : الفرق بينهما أن الأولى مجاز والثانية حقيقة وذلك أن الآيات صرفت للتبيين ولم تصرف ليقولوا دارست ولكن لأنه حصل هذا القول بتصريف الآيات كما حصل التبيين شبه به فسيق مساقه . وقيل : ليقولوا كما قيل لنبينه : فإن قلت : إلام يرجع الضمير في قوله : " ولنبينه " ؟ قلت : إلى الآيات لأنها في معنى القرآن كأنه قيل : وكذلك نصرف القرآن . أو إلى القرآن وان لم يجر له ذكر لكونه معلوما إلى التبيين الذي هو مصدر الفعل كقولهم : ضربته زيدا . ويجوز أن يراد فيمن قرأ درست ودارست : درست الكتاب ودارسته فيرجع إلى الكتاب المقدر .
" اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل " .
" لا إله إلا هو " اعتراض أكد به إيجاب اتباع الوحي لا محل له من الإعراب . ويجوز أن يكون حالا من ربك وهي حال مؤكدة كقوله " وهو الحق مصدقا " البقرة : 91 .
" ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون " .
" ولا تسبوا " الآلهة " الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله " وذلك أنهم قالوا عند نزول قوله تعالى : " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " الأنبياء : 98 ، لتنتهين عن سب آلهتنا أو لنهجون إلهك . وقيل : كان المسلمون يسبون آلهتهم فنهوا لئلا يكون سبهم سببا لسب الله تعالى . فإن قلت : سب الآلهة حق وطاعة فكيف صح النهي عنه وإنما يصح النهي عن المعاصي قلت : رب طاعة علم أنها تكون مفسدة فتخرج عن أن تكون طاعة فيجب النهي عنها لأنها معصية لا لأنها طاعة كالنهي عن المنكر هو من أجل الطاعات فإذا علم أنه يؤذي إلى زيادة الشر انقلب معصية ووجب النهي عن ذلك النهي . كما يجب النهي عن المنكر . فإن قلت : فقد روي عن الحسن وابن سيرين : أنهما حضرا جنازة فرأى محمد نساء فرجع فقال الحسن : لو تركنا الطاعة لأجل المعصية لأسرع ذلك في ديننا . قلت : ليس هذا ممن نحن بصدده لأن حضور الرجال الجنازة طاعة وليس بسبب لحضور النساء فإنهن يحضرنها حضر الرجال أو لم يحضروا بخلاف سب الآلهة . وإنما خيل إلى محمد أنه مثله حتى نبه عليه الحسن . " عدوا " ظلما وعدوانا . وقرئ : " عدوا " بضم العين وتشديد الواو بمعناه . ويقال : عدا فلان عدوا وعدوا وعدوانا وعداء . وعن ابن كثير : " عدوا " بفتح العين بمعنى أعداء " بغير علم " على جهالة بالله وبما يجب أن يذكر به " كذلك زينا لكل أمة " مثل ذلك التزيين زينا لكل أمة من أمم الكفار سوء عملهم . أو خليناهم وشأنهم ولم نكفهم حتى حسن عندهم سوء عملهم أو أمهلنا الشيطان حتى زين لهم أو زيناه في زعمهم . وقولهم : إن الله أمرنا بهذا وزينه لنا " فينبئهم " فيوبخهم عليه ويعاتبهم ويعاقبهم .
" وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون "