كان يكتب لرسول الله A فكان إذا أملى عليه سميعا عليما كتب هو : عليما حكيما . وإذا قال : عليما حكيما كتب غفورا رحيما . فلما نزلت : " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين " المؤمنون : 12 ، إلى آخر الآية عجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان : فقال : تبارك الله أحسن الخالقين . فقال E اكتبها : فكذلك نزلت فشك عبد الله وقال : لئن كان محمدا صادقا لقد أوحي إلي مثل ما أوحي إليه . ولئن كان كاذبا فلقد قلت كما قال : فارتد عن الإسلام ولحق بمكة ثم رجع مسلما قبل فتح مكة . وقيل : هو النضر بن الحرث والمستهزؤن " ولو ترى " جوابه محذوف . أي : رأيت أمرا عظيما " إذ الظالمون " يريد الذين ذكرهم من اليهود والمتنبئة فتكون اللام للعهد . ويجوز أن تكون للجنس فيدخل فيه هؤلاء لاشتماله . و " غمرت الموت " شدائده وسكراته وأصل الغمرة : ما يغمر من الماء فاستعيرت للشدة الغالبة " باسطوا أيديهم " يبسطون إليهم أيديهم يقولون : هاتوا أرواحكم أخرجوها إلينا من أجسادكم . وهذه عبارة عن العنف في السياق والإلحاح والتشديد في الإزهاق من غير تنفيس وإمهال وإنهم يفعلون بهم فعل الغريم المسلط يبسط يده إلى من عليه الحق ويعنف عليه في المطالبة ولا يمهله ويقول له : " أخرج " إلي ما لي عليك الساعة ولا أريم مكاني حتى أنزعه من أحداقك . وقيل : معناه باسطو أيديهم عليهم بالعذاب " أخرجوا أنفسكم " خلصوها من أيدينا أي لا تقدرون على الخلاص " اليوم تجزون " يجوز أن يريدوا وقت الإماتة وما يعذبون به من شدة النزع وأن يريدوا الوقت الممتد المتطاول الذي يلحقهم فيه العذاب في البرزخ والقيامة . والهون : الهوان الشديد وإضافة العذاب إليه كقولك : رجل سوء يريد العراقة في الهوان والتمكن فيه " عن آياته تستكبرون " فلا تؤمنون بها .
" ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم وما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون " .
" فرادى " منفردين عن أموالكم وأولادكم وما حرصتم عليه وآثرتموه من دنياكم وعن أوثانكم التي زعمتم أنها شفعاؤكم وشركاء لله " كما خلقناكم أول مرة " على الهيئة التي ولدتم عليها في الانفراد " وتركتم ما خولناكم " ما تفضلنا به عليكم في الدنيا فشغلتم به عن الآخرة " وراء ظهوركم " لم ينفعكم ولم تحتملوا منه نقيرا ولا قدمتموه لأنفسكم " فيكم شركاء " في استبعادكم لأنهم حين دعوهم آلهة وعبدوها فقد جعلوها لله شركاء فيهم وفي استعبادهم . وقرئ : " فرادى " بالتنوين . وفراد مثل ثلاث . وفردى نحو سكرى : فإن قلت : كما خلقناكم في أي محل هو ؟ قلت : في محل النصب صفة لمصدر جئتمونا أي مجيئنا مثل خلقنا لكم " تقطع بينكم " وقع التقطع بينكم كما تقول : جمع بين الشيئين تريد أوقع الجمع بينهما على إسناد الفعل إلى مصدره بهذا التأويل ومن رفع فقد أسند الفعل إلى الظرف كما تقول قوتل خلفكم وأمامكم . وفي قراءة عبد الله : " لقد تقطع ما بينكم " .
" إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذالكم الله فأنى تؤفكون " .
" فالق الحب والنوى " بالنبات والشجر . وعن مجاهد : أراد الشقين الذين في النواة والحنطة " يخرج الحي من الميت " أي الحيوان والنامي من النطف . والبيض والحب والنوى " ومخرج " هذه الأشياء الميتة من الحيوان والنامي . فإن قلت : كيف قال : " مخرج الميت من الحي " بلفظ اسم الفاعل بعد قوله : " يخرج الحي من الميت " قلت : عطفه على فالق الحب والنوى لا على الفعل . ويخرج الحي من الميت : موقعة موقع الجملة المبينة لقوله : " فالق الحب والنوى " لأن فلق الحب والنوى بالنبات والشجر الناميين من جنس إخراج الحي من الميت لأن النامي في حكم الحيوان . ألا ترى إلى قوله : " يحيي الأرض بعد موتها " الروم : 50 ، " ذلكم الله " أي ذلكم المحي والمميت هو الله الذي تحق له الربوبية " فأنى تؤفكون " فكيف تصرفون عنه وعن توليه إلى غيره .
" فالق الإصباح وجعل الليل ساكنا والشمس والقمر حسبانا ذلكم تقدير العزيز العليم " .
" الإصباح " مصدر سمي به الصبح . وقرأ الحسن بفتح الهمزة جمع صبح وأنشد قوله : .
أفنى رباحا وبني رباح ... تناسخ الإمساء والإصباح