بالكسر والفتح مصدرين وجمع مساء وصبح . فإن قلت : فما معنى فلق الصبح والظلمة هي التي تنفلق عن الصبح . كما قال : .
تردت به ثم انفرى عن أديمها ... تفري ليل عن بياض نهار .
قلت وفيه وجهان أحدهما : أن يراد فالق الظلمة الإصباح وهي الغبش في آخر الليل ومنقضاه الذي يلي الصبح والثاني أن يراد فالق الإصباح الذي هو عامود الفجر عن بياض النهار وإسفاره وقالوا أنشق عامود الفجر وانصدع الفجر . وسموا الفجر فلقا بمعنى مفلوق . وقال الطائي : .
وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه ... وأول الغيث قطر ثم ينسكب .
وقرئ : فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا بالنصب على المدح . وقرأ النخعي : فلق الإصباح وجعل الليل السكن : ما يسكن إليه الرجل ويطمئن استئناسا به واسترواحا إليه من زوج أو حبيب . ومنه قيل للنار : سكن لأنه يستأنس بها . ألا تراهم سموها المؤنسة والليل يطمئن إليه التعب بالنهار لاستراحته فيه وجمامه ويجوز أن يراد : وجعل الليل مسكونا فيه من قوله : " لتسكنوا فيه " " والشمس والقمر " قرئا بالحركات الثلاث فالنصب على إضمار فعل دل عليه جاعل الليل أي وجعل الشمس والقمر حسبانا . أو يعطفان على محل الليل . فإن قلت كيف يكون لليل محل والإضافة حقيقية لأن اسم الفاعل المضاف إليه في معنى المضي ولا تقول : زيد ضارب عمرا أمس قلت : ما هو في معنى المضي وإنما هو دال على جعل مستمر في الأزمنة المختلفة وكذلك فالق الحب وفالق الإصباح كما تقول : الله قادر عالم فلا تقصد زمانا دون زمان والجر عطف على لفظ الليل والرفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره : والشمس والقمر مجعولان حسبانا أو محسوبان حسبانا ومعنى جعل الشمس والقمر حسبانا : جعلهما على حسبان لأن حساب الأوقات يعلم بدورهما وسيرهما . والحسبان بالضم : مصدر حسب كما أن الحسبان بالكسر مصدر حسب . ونظيره الكفران والشكران " ذلك " إشارة إلى جعلهما حسبانا أي ذلك التسيير بالحساب المعلوم " تقدير العزيز " الذي قهرهما وسخرهما " العليم " بتدبيرهما وتدويرهما .
" هو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون " .
" في ظلمات البحر والبر " في ظلمات الليل بالبر والبحر وأضافها إليهما لملابستها لهما أو شبه مشتبهات الطرق بالظلمات .
" هو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يتفقهون " .
من فتح قاف المستقر كان المستودع اسم مكان مثله أو مصدرا . ومن كسرها كان اسم فاعل والمستودع اسم مفعول . والمعنى فلكم مستقر في الرحم . ومستودع في الصلب أو مستقر فوق الأرض ومستودع تحتها . أو فمنكم مستقر ومنكم مستودع . فإن قلت : لم قيل " يعلمون " مع ذكر النجوم و " يفقهون " مع ذكر إنشاء بني آدم ؟ قلت : كان إنشاء الإنس من نفس واحدة وتصريفهم بين أحوال مختلفة ألطف وأدق صنعة وتدبيرا فكان ذكر الفقه الذي هو استعمال فطنة وتدقيق نظر مطابقا له .
" وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون "