" وما قدروا لله حق قدره " وما عرفوه حق معرفته في الرحمة على عباده واللطف بهم حين أنكروا بعثة الرسل والوحي إليهم وذلك من أعظم وأجل نعمته " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " الأنبياء : 107 ، أو ما عرفوه حق معرفته في سخطه على الكافرين وشدة بطشه بهم ولم يخافوه حين جسروا على تلك المقالة العظيمة من إنكار النبوة . والقائلون هم اليهود بدليل قراءة من قرأ : " تجعلونه " بالتاء . وكذلك " تبدونها وتخفون " وإنما قالوا ذلك مبالغة في إنكار إنزال القرآن على رسول الله A فألزموا ما لا بد لهم من الإقرار به من إنزال التوراة على موسى عليه السلام وأدرج تحت الإلزام توبيخهم وأن نعي عليهم سوء جهلهم لكتابهم وتحريفهم لما بداء بعض وإخفاء بعض فقيل : " جاء به موسى " وهو نور وهدى للناس حتى غيروه ونقصوه وجعلوه قراطيس مقطعة وورقات مفرقة ليتمكنوا مما راموا من الإبداء والإخفاء . وروي : أن مالك بن الصيف من أحبار اليهود ورؤسائهم قال له رسول الله A : " أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى هل تجد فيها أن الله يبغض الحبر السمين ؟ فأنت الحبر السمين قد سمنت من مالك الذي يطعمك اليهود . فضحك القوم فغضب ثم التفت إلى عمر فقال : ما أنزل الله على بشر من شيء فقال له قومه : ويلك ما هذا الذي بلغنا عنك ؟ قال : إنه أغضبني فنزعوه وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف . وقيل : القائلون قريش وقد ألزموا إنزال التوراة لأنهم كانوا يسمعون من اليهود بالمدينة ذكر موسى والتوراة وكانوا يقولون لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم " وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم " الخطاب لليهود أي علمتم على لسان محمد A مما أوحى إليه ما لم تعلموا أنتم وأنتم حملة التوراة ولم تعلمه آباؤكم الأقدمون الذين كانوا أعلم منكم " إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون " النمل : 76 ، وقيل الخطاب لمن آمن من قريش كقوله تعالى : " لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم " ياسين : 6 ، " قل الله " أي أنزله الله فإنهم لا يقدرون أن يناكروك " ثم ذرهم في خوضهم " في باطلهم الذي يخوضون فيه ولا عليك بعد إلزام الحجة . ويقال لمن كان في عمل لا يجدي عليه : إنما أنت لاعب . و " يلعبون " حال من ذرهم أو من خوضهم ويجوز أن يكون " في خوضهم " حالا من يلعبون وأن يكون صلة لهم أو لذرهم .
" وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون " .
" مبارك " كثير المنافع والفوائد " ولتنذر " معطوف على ما دل عليه صفة الكتاب كأنه قيل : أنزلناه للبركات وتصديق ما تقدمه من الكتب والإنذار . وقرئ : " ولينذر " بالياء والتاء . وسميت مكة " أم القرى " لأنها مكان أول بيت وضع للناس ولأنها قبلة أهل القرى كلها ومحجهم . لأنها أعظم القرى شأنا لبعض المجاورين : .
فمن يلقى في بعض القريات رحله ... فأم القرى ملقى رحالي ومنتابي .
" والذين يؤمنون بالآخرة " يصدقون بالعاقبة ويخافونها " يؤمنون " بهذا الكتاب . وذلك أن أصل الدين خوف العاقبة فمن خافها لم يزل به الخوف حتى يؤمن . وخص الصلاة لأنها عماد الدين . ومن حافظ عليها كانت لطفا في المحافظة على أخواتها .
" ومن أظلم ممن أفتر على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوحى إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون " .
" أفترى على الله كذبا " فزعم أن الله بعثه نبيا " أو قال أوحى إلي ولم يوح إليه شيء " وهو مسيلمة الحنفي الكذاب . أو كذاب صنعاء الأسود العنسي . وعن النبي A .
رأيت فيما يرى النائم كأن في يدي سوارين من ذهب فكبرا علي وأهماني فأوحى الله إلي أن أنفخهما فنفختهما فطارا عني فأولتهما الكذابين الذين أنا بينهما : كذاب اليمامة مسيلمة . وكذاب صنعاء الأسود العنسي . " ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي