" قل لمن ما في السموات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون " .
" لمن ما في السموات والأرض " سؤال تبكيت و " قل لله " تقرير لهم أي هو الله لا خلاف بيني وبينكم ولا تقدرون أن تضيفوا شيئا منه إلى غيره " كتب على نفسه الرحمة " أي أوجبها على ذاته في هدايتكم إلى معرفته ونصب الأدلة لكم على توحيده بما أنتم مقرون به من خلق السموات الأرض ثم أوعدهم على إغفالهم النظر وإشراكهم به من لا يقدر على خلق شيء بقوله " ليجمعنكم إلى يوم القيامة " فيجازيكم على إشراككم . وقوله : " الذين خسروا أنفسهم " نصب على الذم أو رفع : أي أريد الذين خسروا أنفسهم أو أنتم الذين خسروا أنفسهم . فإن قلت : كيف جعل عدم إيمانهم مسببا عن خسرانهم والأمر على العكس ؟ قلت : معناه : الذين خسروا أنفسهم في علم الله : لاختيارهم الكفر . فهم لا يؤمنون .
" وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم " .
" وله " عطف على الله " ما سكن في الليل والنهار " من السكنى وتعديه بفي كما في قوله : " وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم " . " وهو السميع العليم " يسمع كل مسموع ويعلم كل معلوم فلا يخفى عليه شيء مما يشتمل عليه الملوان .
" قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل أني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا أكون من المشركين قل أني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز العظيم " .
أولي " أغير الله " همزة الاستفهام دون الفعل الذي هو " اتخذوا لأن الإنكار في اتخاذ غير الله وليا لا في اتخاذ الولي فكان أولى بالتقديم . ونحوه " أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون " الزمر : 64 ، " أالله أذن لكم " يونس 59 . وقرئ " فاطر السموات " بالجر صفة لله وبالرفع على المدح . وقرأ الزهري : " فطر " . وعن ابن عباس Bهما : ما عرفت ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر كقال أحدهما : أنا فطرتها أي ابتدعتها " وهو يطعم ولا يطعم " وهو يرزق ولا يرزق كقوله : " ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون " الذاريات : 59 ، والمعنى : أن المنافع كلها من عنده ولا يجوز عليه الانتفاع . وقرئ : " ولا يطعم " بفتح الياء . وروى ابن المأمون عن يعقوب : " وهو يطعم ولا يطعم " على بناء الأول للمفعول والثاني للفاعل والضمير لغير الله وقرأ الأشهب : " وهو يطعم ولا يطعم " على بنائهما للفاعل . وفسر بأن معناه : وهو يطعم ولا يستطعم . وحكى الأزهري : أطعمت بمعنى استطعمت ونحوه أفدت . ويجوز أن يكون المعنى : وهو يطعم تارة ولا يطعم أخرى على حسب المصالح كقولك : وهو يعطي ويمنع ويبسط ويقدر ويغني ويفقر " وأول من أسلم " لأن النبي سابق أمته في الإسلام كقوله " وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " الأنعام : 163 ، وكقول موسى : " سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين " الأعراف : 143 ، " ولا تكونن " وقيل لي لا تكونن " من المشركين " ومعناه : أمرت بالإسلام ونهيت عن الشرك . و " من يصرف عنه " العذاب " يومئذ فقد رحمه " الله الرحمة العظمى وهي النجاة كقولك : إن أطعمت زيدا من جوعه فقد أحسنت إليه ؟ تريد : فقد أتممت الإحسان إليه أو فقد أدخله الجنة لأن من لم يعذب لم يكن له بد من الثواب . وقرئ : " من يصرف عنه " على البناء للفاعل والمعنى : من يصرف الله عنه في ذلك اليوم فقد رحمه بمعنى : من يدفع الله عنه . ويحفظه وقد علم من المدفوع عنه . وترك ذكر المصروف ؟ لكونه معلوما أو مذكورا قبله وهو العذاب . ويجوز أن ينتصب يومئذ بيصرف انتصاب المفعول به أي من يصرف الله عنه ذلك اليوم : أي هوله فقد رحمه . وينصر هذه القراءة قراءة أبي رضي الله عنه : من يصرف الله عنه .
" وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير " .
" وإن يمسسك الله يضر " من مرض أو فقر أو غير ذلك من بلاياه فلا قادر على كشفه إلا هو " وإن يمسسك بخير " من غنى أو صحة " فهو على كل شيء قدير " فكان قادرا على إدامته أو إزالته .
وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير "