" فوق عباده " تصوير للقهر والعلو بالغلبة والقدرة كقوله : " وإنا فوقهم قاهرون " الأعراف : 127 ، الشيء أعم العام لوقوعه على كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه فيقع على القديم والجرم والعرض والمحال والمستقيم . ولذلك صح أن يقال في الله D : شيء لا كالأشياء كأنك قلت : معلوم لا كسائر المعلومات ولا يصح : جسم لا كالأجسام .
" قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون " .
وأراد : أي شهيد " أكبر شهادة " فوضع شيئا مقام شهيد ليبالغ في التعميم " قل الله شهيد بيني وبينكم " يحتمل أن يكون تمام الجواب عند قوله : " قل الله " بمعني الله أكبر شهادة ثم ابتدئ " شهيد بيني وبينكم " أي هو شهيد بيني وبينكم وأن يكون " الله شهيد بيني وبينكم " هو الجواب لدلالته على أن الله D إذا كان هو الشهيد بينه وبينهم فأكبر شيء شهادة شهيد له " ومن بلغ " عطف على ضمير المخاطبين من أهل مكة . أي : لأنذركم به وأنذر كل من بلغه القرآن من العرب والعجم . وقيل : من الثقلين . وقيل : من بلغه إلى يوم القيامة . وعن سعيد بن جبير : من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدا A " أئنكم لتشهدون " تقرير لهم مع إنكار واستبعاد " قل لا أشهد " شهادتكم .
" الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ومن أظلم من أفترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون " .
" الذين آتيناهم الكتاب " يعني اليهود والنصارى يعرفون رسول الله A بحليته ونعته الثابت في الكتابين معرفة خالصة " كما يعرفون أبناءهم " بحلاهم ونعوتهم لا يخفون عليهم ولا يلتبسون بغيرهم . وهذا استشهاد لأهل مكة بمعرفة أهل الكتاب به وبصحة نبوته . ثم قال : " الذين خسروا أنفسهم " من المشركين ومن أهل الكتاب الجاحدين " فهم لا يؤمنون " به جمعوا بين أمرين متناقضين فكذبوا على الله بما لا حجة عليه وكذبوا بما ثبت بالحجة البينة والبرهان الصحيح حيث قالوا : " لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا " الأنعام : 148 ، وقالوا : " والله أمرنا بها " الأعراف : 28 ، وقالوا : الملائكة بنات الله و " هؤلاء شفعاؤنا عند الله " يونس : 18 ، ونسبوا إليه تحريم البحائر والسوائب وذهبوا فكذبوا القرآن والمعجزات وسموها سحرا ولم يؤمنوا بالرسول A .
" ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون "