كان المؤمنون تذهب أنفسهم حسرة على أهل العتو والعناد من الكفرة يتمنون دخولهم في الإسلام فقيل لهم " عليكم أنفسكم " وما كلفتم من إصلاحها والمشي بها في طرق الهدى " لا يضركم " الضلال عن دينكم إذا كنتم مهتدين كما قال D لنبيه E : " فلا تذهب نفسك عليهم حسرات " فاطر : 8 ، وكذلك من يتأسف على ما فيه الفسقة من الفجور والمعاصي ولا يزال يذكر معايبهم ومناكيرهم . فهو مخاطب به وليس المراد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن من تركهما مع القدرة عليهما فليس بمهتد وإنما هو بعض الضلال الذين فصلت الآية بينهم وبينه وعن ابن مسعود : أنها قرئت عنده فقال : إن هذا ليس بزمانها إنها اليوم مقبولة . ولكن يوشك أن يأتي زمان تأمرون فلا يقبل منكم فحينئذ عليكم أنفسكم فهي على هذا تسلية لمن يأمر وينهى فلا يقبل منه وبسط لعذره . وعنه : ليس هذا زمان تأويلها . قيل : فمتى ؟ قال : إذا جعل دونها السيف والسوط والسجن .
وعن أبي ثعلبة الخشني : أنه سئل عن ذلك فقال للسائل : سألت عنها خيبرا . سألت رسول الله A عنها فقال : " ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا ما رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ودع أمر العوام . وإن من ورائكم أياما الصبر فيهن كقبض على الجمر للعامل منهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله " وقيل كان الرجل إذا أسلم قالوا له : سفهت آباءك ولاموه . فنزلت " عليكم أنفسكم " عليكم : من أسماء الفعل بمعنى : الزموا إصلاح أنفسكم ولذلك جزم جوابه . وعن نافع : عليكم أنفسكم بالرفع . وقرئ لا يضركم وفيه وجهان أن يكون خبرا مرفوعا وتنصره قراءة أبي حيوة لا يضيركم ؛ وأن يكون جوابا للأمر مجزوما وإنما ضمت الراء إتباعا لضمة الضاد المنقولة إليها من الراء المدغمة . والأصل : لا يضرركم ويجوز أن يكون نهيا ولا يضركم بكسر الضاد وضمها من ضاره يضيره ويضوره .
" يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأولين فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهه أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين " ارتفع اثنان على أنه خبر للمبتدأ الذي هو " شهادة بينكم " على تقدير : شهادة بينكم شهادة اثنين . أو على أنه فاعل شهادة بينكم على معنى : فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان : وقرأ الشعبي . شهادة بينكم بالتنوين . وقرأ الحسن : شهادة بالنصب والتنوين على : لقيم شهادة اثنان . و " إذا حضر " ظرف للشهادة . و " حين الوصية " بدل منه إبداله منه دليل على وجوب الوصية وأنها من الأمور اللازمة التي ما ينبغي أن يتهاون بها مسلم ويذهل عنها . وحضور الموت : مشارفته وظهور أمارات بلوغ الأجل " منكم " من أقاربكم . و " من غيركم " من الأجانب " إن أنتم ضربتم في الأرض " يعني إن وقع الموت في السفر ولم يكن معكم أحد من عشيرتكم فاستشهدوا أجنبيين على الوصية وجعل الأقارب أولى لأنهم أعلم بأحوال الميت وما هو أصلح وهم له أنصح . وقيل " منكم " من المسلمين و " من غيركم " من أهل الذمة . وقيل : هو منسوخ لا تجوز شهادة الذمي على المسلم وإنما جازت في أول الإسلام لقلة المسلمين وتعذر وجودهم في حال السفر . وعن مكحول : نسخها قوله تعالى : " وأشهدوا ذوي عدل منكم " الطلاق : 2 ، وروي :