وقيل : نزلت في حجاج اليمامة حين أراد المسلمون أن يوقعوا بهم فنهوا عن الإيقاع بهم وإن كانوا مشركين .
" يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسئلوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين " الجملة الشرطية والمعطوفة عليها أعني قوله : " إن تبد لكم تسؤكم " صفة للأشياء . والمعنى : لا تكثروا مسألة رسول الله A حتى تسألوه عن تكاليف شاقة عليكم إن أفتاكم بها وكلفكم إياها تغمكم وتشق عليكم وتندموا على السؤال عنها . وذلك نحو ما روي : أن سراقة بن مالك أو عكاشة بن محصن قال : يا رسول الله الحج علينا كل عام ؟ فأعرض عنه رسول الله A حتى أعاد مسألته ثلاث مرات فقال A : " ويحك ! .
ما يؤمنك أن أقول نعم ؟ والله لو قلت : نعم لوجبت ولو وجبت ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم فاتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فخذوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه " " وإن تسئلوا عنها حين ينزل القرآن " وإن تسألوا عن هذه التكاليف الصعبة في زمان الوحي وهو ما دام الرسول بين أظهركم يوحى إليه تبد لكم . تلك التكاليف الصعبة التي تسؤكم وتؤمروا بتحملها فتعرضون أنفسكم لغضب الله بالتفريط فيها " عفا الله عنها " عفا الله عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا إلى مثلها " والله غفور حليم " لا يعاجلكم فيما يفرط منكم بعقوبته . فإن قلت : كيف قال : " لا تسئلوا عن أشياء " ثم قال : " قد سألها " ولم يقل . قد سأل عنها ؟ قلت : الضمير في " سألها " ليس براجع إلى أشياء حتى تجب تعديته بعن وإنما هو راجع إلى المسألة التي دل عليها " ولا تسئلوا " يعني قد سأل قوم هذه المسألة من الأولين " ثم أصبحوا بها " أي بمرجوعها أو بسببها " كافرين " وذلك أن بني إسرائيل كانوا يستفتون أنبيائهم عن أشياء فإذا أمروا بها تركوها فهلكوا .
" ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون " كان أهل الجاهلية إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا أذنها أي شقوها وحرموا ركوبها ولا تطرد عن ماء ولا مرعى وإذا لقيها المعيي لم يركبها . واسمها البحيرة . وكان يقول الرجل : إذا قدمت من سفري أو برئت من مرضي فناقتي سائبة . وجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها . وقيل : كان الرجل إذا أعتق عبدا قال : هو سائبة فلا عقل بينهما ولا ميراث . وإذا ولدت الشاة أنثى فهي لهم وإن ولدت ذكرا فهو لآلهتهم . فإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا : وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم . وإذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا من حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى . ومعنى " ما جعل " ماشرع ذلك ولا أمر بالتبحير والتسييب وغير ذلك ولكنهم بتحريمهم ما حرموا " يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون " فلا ينسبون التحريم إلى الله حتى يفتروا ولكنهم يقلدون في تحريمها كبارها .
" وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون " الواو في قوله : " أو لو كان آباؤهم " واو الحال قد دخلت عليها همزة الإنكار . وتقديره : أحسبهم ذلك ولو كان آباؤهم " لا يعلمون شيئا ولا يهتدون " والمعنى أن الاقتداء إنما يصح بالعالم المهتدي وإنما يعرف اهتداؤه بالحجة .
" يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون "