أنه خرج بديل بن أبي مريم مولى عمرو بن العاص وكان من المهاجرين مع عدي بن زيد وتميم بن أوس - وكانا نصرانيين - تجارا إلى الشام فمرض بديل وكتب كتابا فيه ما معه وطرحه في متاعه ولم يخبر به صاحبيه وأمرهما أن يدفعا متاعه إلى أهله . ومات ففتشا متاعه فأخذا إناء من فضة فيه ثلثمائة مثقال منقوشا بالذهب فغيباه فأصاب أهل بديل الصحيفة فطالبوهما بالإناء فجحدا فرفعوهما إلى رسول الله A فنزلت " تحبسونهما " تقفونهما وتصبرونهما للحلف " من بعد الصلاة " من بعد صلاة العصر لأن وقت اجتماع الناس . وعن الحسن : بعد صلاة العصر أو الظهر ؛ لأن أهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة بعدهما . وفي حديث بديل : أنها لما نزلت صلى رسول الله A صلاة العصر ودعا بعدي وتميم فاستحلفهما عند المنبر فحلفا ثم وجد الإناء بمكة فقالوا : إنا اشتريناه من تميم وعدي . وقيل : هي صلاة أهل الذمة وهم يعظمون صلاة العصر " إن ارتبتم " اعتراض بين القسم والمقسم عليه . والمعنى : إن ارتبتم في شأنهما واتهمتموهما فحلفوهما . وقيل : إن أريد بهما الشاهدان فقد نسخ تحليف الشاهدين : وإن أريد الوصيان فليس بمنسوخ تحليفهما . وعن علي ضي الله عنه : أنه كان يحلف الشاهد والراوي إذا اتهمهما والضمير في " به " للقسم . وفي " كان " للمقسم له يعني : لا نستبدل بصحة القسم بالله عرضا من الدنيا أي لا نحلف كاذبين لأجل المال ولو كان من نقسم له قريبا منا على معنى : أن هذه عادتهم في صدقهم وأمانتهم أبدا وأنهمه داخلون تحت قوله تعالى : " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين " النساء : 135 . " شهادة الله " أي الشهادة التي أمر الله بحفظها وتعظيمها . وعن الشعبي أنه وقف على شهادة ثم ابتدأ آلله بالمد عل طرح حرف القسم وتعويض حرف الاستفهام منه . وروي عنه بغير مد على ما ذكر سيبويه أن منهم من يحذف حرف القسم ولا يعوض منه همزة الاستفهام فيقول : ألله لقد كان كذا . وقرى : الملاثمين بحذف الهمزة وطرح حركتها على اللام وإدغام نون من فيها كقوله : عاد لولي فإن قلت : ما موقع تحسبونهما ؟ قلت : هو استئناف كلام كأنه قيل بعد اشتراط العدالة فيهما فكيف نعمل إن ارتبنا بهما فقيل : تحبسونهما فإن قلت : كيف فسرت الصلاة بصلاة العصر وهي مطلقة ؟ قلت : لما كانت معروفة عندهم بالتحليف بعدها أغنى ذلك عن التقييد كما لو قلت في بعض أئمة الفقه : إذا صلى أخذ في الدرس علم أنها صلاة الفجر . ويجوز أن تكون اللام للجنس وأن يقصد بالتحليف على أثر الصلاة أن تكون الصلاة لطفا في النطق بالصدق وناهية عن الكذب والزور " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " العنكبوت : 45 ، " فإن عثر " فإن اطلع " على أنهما استحقا إثما " أي فعلا ما أوجب إثما واستوجبا أن يقال إنهما لمن الآثمين " فآخران " فشاهدان آخران " يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم " أي من الذين استحق عليهم الإثم . معناه من الذين جني عليهم وهم أهل الميت وعشيرتهم . وفي قصة بديل : أنه لما ظهرت خيانة الرجلين حلف رجلان من ورثته أنه إناء صاحبهما وأن شهادتهما أحق من شهادتهما . " الأولين " الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما وارتفاعهما على : هما الأوليان كأنه قيل ومن هما ؟ فقيل : الأوليان . وقيل : هما بدل من الضمير في يقومان أو من آخران . ويجوز أن يرتفعا باستحق أي من الذين استحق عليهم انتداب الأوليين منهم للشهادة لاطلاعهم على حقيقة الحال . وقرئ الأولين على أنه وصف للذين استحق عليهم مجرور أو منصوب على المدح . ومعنى الأولية التقدم على الأجانب في الشهادة لكونهم أحق بها . وقرئ : الأولين على التثنية وانتصابه على المدح . وقرأ الحسن : الأولان ويحتج به من يرى رد اليمين على المدعي . وأبو حنيفة وأصحابه لا يرون ذلك . فوجهه عندهم أن الورثة قد ادعوا على النصرانيين أنهما قد اختانا فحلفا فلما ظهر كذبهما ادعيا الشراء فيما كتما فأنكر الورثة فكانت اليمين على الورثة لإنكارهم الشراء . فإن قلت : فما وجه قراءة من قرأ استحق عليهم الأوليان على البناء للفاعل وهم علي : وأبي وابن عباس ؟ قلت : معناه من الورثة الذي استحق عليهم الأوليان من بينهم بالشهادة أن يجردوهما للقيام بالشهادة ويظهروا بهما كذب الكاذبين " ذلك " الذي تقدم من بيان الحكم " أدنى " أن