" ما خلا يهوديان بمسلم إلا هما بقتله " وعلل سهولة مأخذ النصارى وقرب مودتهم للمؤمنين " بأن منهم قسيسين ورهبانا " أي علماء وعبادا " وأنهم " قوم فيهم تواضع واستكانة ولا كبر فيهم واليهود على خلاف ذلك . وفيه دليل بين على أن التعلم أنفع شيء وأهداه إلى الخير وأدله على الفوز حتى علم القسيسين وكذلك غم الآخرة والتحدث بالعاقبة وإن كان في راهب والبراءة من الكبر وإن كانت في نصراني . ووصفهم الله برقة القلوب وأنهم يبكون عند استماع القرآن وذلك نحو ما يحكى عن النجاشي Bه أنه قال لجعفر بن أبي طالب - حين اجتمع في مجلسه المهاجرون إلى الحبشة والمشركون لعنوا وهم يغرونه عليهم ويتطلبون عنتهم عنده : هل في كتابكم ذكر مريم ؟ قال جعفر : فيه سورة تنسب إليها فقرأها إلى قوله : " ذلك عيسى ابن مريم " مريم : 34 ، وقرأ سورة طه إلى قوله : " وهل أتاك حديث موسى " طه : 9 ، فبكى النجاشي وكذلك فعل قومه الذين وفدوا على رسول الله A وهم سبعون رجلا حين قرأ عليهم رسول الله A سورة يس . فبكوا . فإن قلت : بم تعلقت اللام في قوله : " للذين آمنوا " ؟ قلت : بعداوة ومودة على أن عداوة اليهود التي اختصت المؤمنين أشد العداوات وأظهرها وأن مودة النصارى التي اختصت المؤمنين أقرب المودات وأداها وجودا وأسهلها حصولا . ووصف اليهود بالعداوة والنصارى بالمودة مما يؤذن بالتفاوت ثم وصف العداوة والمودة بالأشد والأقرب . فإن قلت : ما معنى قوله : " تفيض من الدمع " قلت : معناه تمتلئ من الدمع حتى تفيض لأن الفيض أن يمتلئ الإناء أو غيره حتى يطلع ما فيه من جوانبه فوضع الفيض الذي هو من الامتلاء موضع الامتلاء وهو من إقامة المسبب مقام السبب أو قصدت المبالغة في وصفهم بالبكاء فجعلت أعينهم كأنها تفيض بأنفسها أي تسيل من الدمع من أجل البكاء من قولك دمعت عينه دمعا فإن قلت : أي فرق بين من ومن في قوله : " مما عرفوا من الحق " ؟ قلت الأولى لابتداء الغاية على أن فيض الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحق وكان من أجله وبسببه . والثانية لتبيين الموصول الذي هو ما عرفوا . وتحتمل معنى التبعيض على أنهم عرفوا بعض الحق فأبكاهم وبلغ منهم فكيف إذا عرفوه كله وقرؤا القرآن وأحاطوا بالسنة ؟ وقرئ ترى أعينهم على البناء للمفعول " ربنا آمنا " المراد به إنشاء الإيمان والدخول فيه " فاكتبنا مع الشاهدين " مع أمة محمد A الذين هم شهداء على سائر الأمم يوم القيامة " لتكونوا شهداء على الناس " البقرة : 143 ، وقالوا ذلك لأنهم وجدوا ذكرهم في الإنجيل كذلك " وما لنا لا نؤمن بالله " إنكار استبعاد لانتفاء الإيمان مع قيام موجبه وهو الطمع في إنعام الله عليهم بصحبة الصالحين وقيل : لما رجعوا إلى قومهم لاموهم فأجابوهم بذلك . ومحل لانؤمن النصب على الحال بمعنى : غير مؤمنين كقولك : مالك قائما . والواو في " وطمع " واو الحال . فإن قلت : ما العامل في الحال الأولى والثانية ؟ قلت : العامل في الأولى ما في اللام من معنى الفعل كأنه قيل : أي شيء حصل لنا غير مؤمنين وفي الثانية معنى هذا الفعل ولكن مقيدا بالحال الأولى ؛ لأنك لو أزلتها وقلت : وما لنا ونطمع لم يكن كلاما . ويجوز أن يكون ونطمع حالا من لا نؤمن على أنهم أنكروا على نفوسهم أنهم لا يوحدون الله ويطمعون مع ذلك أن يصحبوا الصالحين وأن يكون معطوفا على لا نؤمن على معنى : وما لنا لا نجمع بينهما بالدخول في الإسلام لأن الكافر ما ينبغي له أن يطمع في صحبة الصالحين . قرأ الحسن : فآتاهم " بما قالوا " بما تكلموا به عن اعتصاد وإخلاص من قولك : هذا قول فلان أي اعتقاده وما يذهب إليه .
" يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون " " طيبات ما أحل الله لكم " ما طاب ولذ من الحلال . ومعنى " لا تحرموا " لا تمنعوها أنفسكم كمنع التحريم . أو لا تقولوا حرمناها على أنفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها تزهدا منكم وتقشفا وروي :