" لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ترى كثيرا منهم يتولون الذي كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون " نزل الله لعنهم في الزبور " على لسان داود " وفي الإنجل على لسان عيسى . وقيل إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت قال داود عليه السلام : اللهم العنهم واجعلهم آية فمسخوا قردة . ولما كفر أصحاب عيسى عليه السلام بعد المائدة قال عيسى عليه السلام : اللهم عذب من كفر بعد ماأكل من المائدة عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين والعنهم كما لعنت أصحاب السبت فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل ما فيهم امرأة ولا صبي " ذلك بما عصوا " أي لم يكن ذلك اللعن الشنيع الذي كان سبب المسخ إلا لأجل المعصية والاعتداء لا لشيء آخر ؛ ثم فسر المعصية والاعتداء بقوله : " كانوا لا يتناهون " لا ينهى بعضهم بعضا " عن منكر فعلوه " ثم قال : " لبئس ما كانوا يفعلون " للتعجيب من سوء فعلهم مؤكدا لذلك بالقسم فيا حسرة على المسلمين في إعراضهم عن باب التناهي عن المناكير وقلة عبثهم به كأنه ليس من ملة الإسلام في شيء مع ما يتلون من كلام الله وما فيه من المبالغات في هذا الباب . فإن قلت كيف وقع ترك التناهي عن المنكر تفسيرا للمعصية والاعتداء ؟ قلت : من قبل أن الله تعالى أمر بالتناهي فكان الإخلال به معصية وهو اعتداء لأن في التناهي حسما للفساد فكان تركه على عكسه . فإن قلت : ما معنى وصف المنكر بفعلوه ولا يكون النهي بعد الفعل ؟ قلت : معناه لا يتناهون عن معاودة منكر فعلوه أو عن مثل منكر فعلوه أو عن منكر أرادوا فعله كما ترى أمارات الخوض في الفسق وآلاته تسوى وتهيأ فتنكر . ويجوز أن يرد : لا ينتهون ولا يمتنعون عن منك فعلوه بل يصبرون عليه ويداومون على فعله . يقال : تناهى عن الأمر وانتهى عنه إذا امتنع منه وتركه " ترى كثيرا منهم " هم منافقو أهل الكتاب كانوا يوالون المشركين ويصافونهم " أن سخط الله عليهم " هو المخصوص بالذم ومحله الرفع كأنه قيل : لبئس زادهم إلى الآخرة سخط الله عليهم . والمعنى : موجب سخط الله " ولو كانوا يؤمنون " إيمانا خالصا غير نفاق ما اتخذوا المشركين " أولياء " يعني أن موالاة المشركين كفى بها دليلا على نفاقهم وأن إيمانهم ليس بإيمان " ولكن كثيرا منهم فاسقون " متمردون في كفرهم ونفاقهم وقيل معناه : ولو كانوا يؤمنون بالله وموسى كما يدعون ما اتخذوا المشركين أولياء كما لم يوالهم المسلمون .
" لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم " وصف الله شدة شكيمة اليهود وصعوبة إجابتهم إلى الحق ولين عريكة النصارى وسهولة ارعوائهم وميلهم إلى الإسلام وجعل اليهود قرناء المشركين في شدة العداوة للمؤمنين بل نبه على تقدم قدمهم فيها بتقديمهم على الذين أشركوا وكذلك فعل في قوله : " ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا " البقرة : 96 ، ولعمري إنهم لكذلك وأشد . وعن النبي A :