أي فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك فإن قلت : هلا زعمت أن ارتفاعه للعطف على محل إن واسمها . قلت : لا يصح ذلك قبل الفراغ من الخبر لا تقول : إن زيدا وعمرو منطلقان . فإن قلت لم لا يصح والنية به التأخير فكأنك قلت : إن زيدا منطلق وعمرو ؟ قلت : لأني إذا رفعته رفعته عطفا على محل إن واسمها والعامل في محلهما هو الابتداء فيجب أن يكون هو العامل في الخبر لأن الابتداء ينتظم الجزأين في عمله كما تنتظمها إن في عملها ؛ فلو رفعت الصابئون المنوي به التأخير بالابتداء وقد رفعت الخبر بأن لأعملت فيهما رافعين مختلفين . فإن قلت : فقوله والصابئون معطوف لابد له من معطوف عليه فما هو ؟ قلت : هو مع خبره المحذوف جملة معطوفة على جملة قوله : " إن الذين آمنوا... " الخ ولا محل لها كما لا محل للتي عطفت عليها فإن قلت : ماالتقديم والتأخير إلا لفائدة فما فائدة هذا التقديم ؟ قلت : فائدته التنبيه على أن الصابئين يتاب عليهم إن صح منهم الإيمان والعمل الصالح فما الظن بغيرهم . وذلك أن الصابئين أبين هؤلاء المعدودين ضلالا وأشدهم غيا وما سموا صابئين إلا لأنهم صبئوا عن الأديان كلها أي خرجوا كما أن الشاعر قدم قوله : وأنتم تنبيها على أن المخاطبين أوغل في الوصف بالبغاة من قومه حيث عاجل به قبل الخبر الذي هو بغاة لئلا يدخل قومه في البغي قبلهم مع كونهم أوغل فيه منهم وأثبت قدما فإن قلت : فلو قيل : والصابئين وإياكم لكان التقديم حاصلا . قلت : لو قيل هكذا لم يكن من التقديم في شيء لأنه لا إزالة فيه عن موضعه وإنما يقال مقدم ومؤخر للمزال لا للقار في مكانه . ومجرى هذه الجملة مجرى الاعتراض في الكلام فإن قلت : كيف قال : " الذين آمنوا " ثم قال : " من آمن " ؟ قلت : فيه وجهان أحدهما : أن يراد بالذين آمنوا : الذين آمنوا بألسنتهم وهم المنافقون وأن يراد بمن آمن . من ثبت على الإيمان واستقام ولم يخالجه ريبة فيه . فإن قلت : ما محل من آمن قلت : إما الرفع على الابتداء وخبره " فلا خوف عليهم " والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط ثم الجملة كما هي خبر إن وإما النصب على البدل من اسم إن وما عطف عليه أو من المعطوف عليه . فإن قلت : فأين الراجع إلى اسم إن ؟ قلت : هو محذوف تقديره من آمن منهم كما جاء في موضع آخر . وقرئ : والصابيون بياء صريحة وهو من تخفيف الهمزة كقراءة من قرأ : يستهزيون . والصابون : وهو من صبوت لأنهم صبوا إلى اتباع الهوى والشهوات في دينهم ولم يتبعوا أدلة العقل والسمع . وفي قراءة أبي Bه : والصابئين بالنصب . وبها قرأ ابن كثير . وقرأ عبد الله : يا أيها الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون .
" لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون " " لقد أخذنا " ميثاقهم بالتوحيد " وأرسلنا إليهم رسلا " ليقفوهم على ما يأتون وما يذورن في دينهم " كلما جاءهم رسول " جملة شرطية وقعت صفة لرسلا والراجع محذوف أي رسول منهم " بما لا تهوى أنفسهم " بما يخالف هواهم ويضاد شهواتهم من مشاق التكليف والعمل بالشرائع . فإن قلت : أين جواب الشرط فإن قوله : " فريقا كذبوا وفريقا يقتلون " ناب عن الجواب لأن الرسول الواحد لا يكون فريقين ولأنه يحسن أن تقول إن أكرمت أخي أخاك أكرمت ؟ قلت : هو محذوف يدل عليه قوله : " فريقا وفريقا يقتلون " كأنه قيل كلما جاءهم رسول منهم ناصبوه وقوله : " فريقا كذبوا " جواب مستأنف لقائل يقول : كيف فعلوا برسلهم ؟ فإن قلت : لم جيء بأحد الفعلين ماضيا وبالآخر مضارعا ؟ قلت " جيء يقتلون على حكاية الحال الماضية استفظاعا للقتل واستحضارا لتلك الحال الشنيعة للتعجب منها . قرئ : أن لا يكون بالنصب على الظاهر . وبالرفع عن أن هي المخففة من الثقيلة أصله : أنه لا يكون فتنة فخففت أن وحذف ضمير الشأن .
" وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون "