" بلغ ما أنزل إليك " جميع ما أنزل إليك وأي شيء أنزل إليك غير مراقب في تبليغه أحدا ولا خائف أن ينالك مكروه " وإن لم تفعل " وإن لم تبلغ جميعه كما أمرتك " فما بلغت رسالته " وقرئ : رسالاته فلم تبلغ إذا ما كلفت من أداء الرسالات ولم تؤد منها شيئا قط وذلك أن بعضها ليس بأولى بالأداء من بعض وإن لم تؤد بعضها فكأنك أغفلت أداءها جميعا كما أن من لم يؤمن ببعضها كان كمن لم يؤمن بكلها لإدلاء كل منها بما يدليه غيرها . وكونا كذلك في حكم شيء واحد . والشيء الواحد لا يكون مبلغا غير مبلغ مؤمنا به غير مؤمن به . وعن ابن عباس Bهما : إن كتمت آية لم تبلغ رسالاتيز وروي عن رسول الله A : " بعثني الله برسالاته فضقت بها ذرعا فأوحى الله إلي إن لم تبلغ رسالاتي عذبتك . وضمن لي العصمة فقويت " . فإن قلت : وقوع قوله : " فما بلغت رسالته " جزاء للشرط ما وجه صحته ؟ قلت : فيه وجهان أحدهما : أنه إذا لم يمتثل أمر الله في تبليغ الرسالات وكتمها كلها كأنه لم يبعث رسولا كان أمرا شنيعا لإخفاء بشاعته فقيل : إن لم تبلغ منها أدنى شيء وإن كان كلمة واحدة فأنت كمن ركب الأمر الشنيع الذي هو كتمان كلها كما عظم قتل النفس بقوله : " فكأنما قتل الناس جميعا " المائدة : 32 ، والثاني : أن يراد : فإن لم تفعل فلك ما يوجبه كتمان الوحي كله من العقاب فوضع السبب موضع المسبب ويعضده قوله E : " فأوحى الله إلي إن لم تبلغ رسالاتي عذبتك " " والله يعصمك " عدة من الله بالحفظ والكلاءة والمعنى : والله يضمن لك العصمة من أعدائك فما عذرك في مراقبتهم ؟ فإن قلت : أين ضمان العصمة وقد شج في وجهه يوم أحد وكسرت رباعيته صلوات الله عليه ؟ قلت : المراد أنه يعصمه من القتل . وفيه : أن عليه أن يحتمل كل ما دون النفس في ذات الله فما أشد تكليف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقيل : نزلت بعد يوم أحد والناس الكفار بدليل قوله : " إن الله لا يهدي القوم الكافرين " ومعناه أنه لا يمكنهم مما يريدون إنزاله بك من الهلاك . وعن أنس : كان رسول الله A يحرس حتى نزلت فأخرج رأسه من قبة أدم وقال : " انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله من الناس " .
" قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين " " لستم على شيء " أي على دين يعتد به حتى يسمى شيئا لفساده وبطلانه كما تقول : هذا ليس بشيء تريد تحقيره وتصغير شأنه . وفي أمثالهم : أقل من لا شيء " فلا تأس " فلا تتأسف عليهم لزيادة طغيانهم وكفرهم فإن ضرر ذلك راجع إليهم لا إليك وفي المؤمنين غنى عنهم .
" إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون " " والصابئون " رفع على الابتداء وخبره محذوف والنية به التأخير عما في حيز إن من اسمها وخبرها كأنه قيل : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا والصابئون كذلك وأنشد سيبويه شاهدا له : .
وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق